و (أما ثالثا) - فإنه إذا كانت الرواية باعتبار المعنى الذي صار إليه لا دلالة فيها على وجوب توجيه المحتضر إلى القبلة كما هو القول المشهور لأن موردها إنما هو بعد الموت، وغيرها من الروايات الواردة في المقام كما ستمر بك إن شاء الله تعالى كلها من هذا القبيل، فالاستحباب الذي صاروا إليه بأي دليل اعتمدوا فيه عليه؟ إذ لا ريب أن الاستحباب حكم شرعي يتوقف على الدليل، وعلى هذا فينعكس الاشكال فيما ذهبوا إليه لقولهم باستحباب توجيه المحتضر إلى القبلة من غير دليل، إذ ليس إلا هذه الروايات ومعناها - كما زعمه - إنما هو التوجيه بعد الموت، فأي دليل دل على استحباب التوجيه حال الاحتضار؟ ما هذه إلا مجازفات واهية، وصاحب الذخيرة هنا إنما التجأ في الحمل على الاستحباب إلى قاعدته التي قدمنا الكلام فيها من عدم دلالة الأوامر في أخبارنا على الوجوب، فالتجأ إلى الاستحباب تفاديا من طرح الأخبار، وقد عرفت ما فيه.
ثم إن من روايات المسألة ما رواه الصدوق في الفقيه مرسلا وفي العلل مسندا عن الصادق عن أمير المؤمنين (عليهما السلام) (1) قال: " دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رجل من ولد عبد المطلب وهو في السوق وقد وجه إلى غير القبلة، فقال وجهوه إلى القبلة فإنكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة... الحديث " وهو صريح - كما ترى - في كون التوجيه إلى القبلة في حال الاحتضار. وطعن فيه في المعتبر بأنه قضية في واقعة معينة فلا تدل على العموم، وأن التعليل في الرواية كالقرينة الدالة على الفضيلة. وأنت خبير بما فيه من الوهن والقصور إذ لو قام مثل هذا الكلام لا نسد به باب الاستدلال في جميع الأحكام، إذ لا حكم وارد في خبر من الأخبار إلا ومورده قضية مخصوصة فلو قصر الحكم على مورده لا نسد باب الاستدلال، فإنه إذا سأل سائل الإمام أني صليت وفي ثوبي نجاسة نسيتها فقال أعد صلاتك، فلقائل أن يقول في هذا الخبر كما ذكره هنا مع أنه لا خلاف بين الأصحاب في الاستدلال به على جزئيات الأحكام