مجمع الفائدة - المحقق الأردبيلي - ج ٣ - الصفحة ٢٢٣

____________________
وأما وجود الأمر الجديد، فالخبر لو صح، لا بأس به، مؤيدا ببعض الأخبار المتقدمة وغيرها، وفي دلالة خبر الباقر عليه السلام (1) تأمل ما.
ولكن الظاهر أنها غير بعيدة مع التأييد بغيره.
وفي باقي أبحاثه تأمل، ولا يحتاج إلى الذكر (2) خصوصا في قوله: (قلنا لا نسلم

(١) إشارة إلى ما استدل به الشارح بما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام، قال: إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى، فإن كنت تعلم أنك إذا صليت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت، فبدأ بالتي فاتتك فإن الله عز وجل يقول... الحديث) الوسائل باب (٦٢) من أبواب المواقيت، حديث: ٢ (٢) ينبغي نقل عبارات الشهيد قدس سره في روض الجنان مع طولها لشدة ارتباط ما أورده المحقق الأردبيلي قدس سره بما ذكره في هذا المقام.
فقال في ص 356 و 357 ما هذا لفظه.
ولا يلحق به (أي بالكافر الأصلي) الفرق الكافرة من المسلمين كالخوارج والنواصب، بل حكمهم حكم غيرهم في أنهم إذا استبصروا لا يجب عليهم إعادة ما صلوه صحيحا، ويجب قضاء ما تركوه أو فعلوه فاسدا، إلى أن قال:
واعلم أن هذا الحكم لا يقتضي صحة عبادة المخالف في نفسها بل الحق أنها فاسدة وإن جمعت الشرائط المعتبرة فيها غير الايمان.
وإن الايمان شرط في صحة الصلاة كما أن الاسلام شرط فيها إذ لو كانت صحيحة لاستحق عليها الثواب و هو لا يحصل إلا في الآخرة بالجنة وشرط دخولها عندنا الايمان اجماعا ولأن جل المخالفين أو كلهم لا يصلون بجميع الشرايط المعتبرة عندنا وقد وقع الاتفاق ودلت النصوص على بطلان الصلاة بالاخلال بشرط أو فعل مناف، من غير تقييد.
وما ذكروه هنا من عدم وجوب الإعادة عليه لو استبصر لا يدل على صحة عبادته في نفسها بل إنما دل على عدم وجوب أعادتها، وأحدهما غير الآخر وحينئذ.
فعدم الإعادة تفضل من الله تعالى واسقاط لما هو واجب، استتباعا للايمان الطارئ. كما أسقط عن الكافر ذلك باسلامه فإذا مات المخالف على خلافه عذب عليها كما يعذب الكافر.
فإن قيل الكافر يسقط عنه قضاء العبادة وإن كان قد تركها، وهنا إنما يسقط عنه إعادة ما فعله صحيحا دون ما تركه بل يجب عليه قضاءه اجماعا وذلك يقتضي الصحة قلنا هذا أيضا لا يدل على الصحة بل إنما دل على عدم المساواة بينهما في الحكم شرعا، فلا يدل على مطلوبهم.
ولعل الموجب للفرق بينهما بذلك أن الكافر لا يعتقد وجوب الصلاة فليس عنده في تركها جرأة على الله تعالى فأسقط ذلك الاسلام، بخلاف المسلم المخالف فإنه يعتقد وجوبها والعقاب على تركها، فإذا فعلها على الوجه المعتبر عنده كان ذلك منه كترك الكافر، بخلاف ما لو تركها، فإنه قادم على الجرأة والمعصية لله تعالى على كل حال، فلا يسقط عنه القضا.
مع دخوله في عموم من فاته فريضة فليقضها كما فاتته.
ويؤيد ذلك حكمهم بعدم إعادة ما صلاه صحيحا بحسب معتقده وإن كان فاسدا عندنا واستشكلهم في عدم إعادة ما فعله صحيحا عندنا مع فساده عنده ولو كان السبب هو الصحة كان الجزم بهذا الفرد أولى من عكسه.
ومما يدل على أن عبادته ليست صحيحة وإنما لحقت الايمان تبعا ما رواه علي بن إسماعيل الميثمي عن محمد بن حكيم قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه كوفيان كانا زيديين فقالا جعلنا لك الفداء كنا نقول بقول وإن الله من علينا بولايتك فهل يقبل شئ من أعمالنا؟ فقال: أما الصلاة والصوم والحج والصدقة فإن الله يتبعكما ذلك فليلحق بكما، وأما الزكاة فلا لأنكما أنفدتما (أبعدتما خ) حق امرء مسلم وأعطيتماه غيره.
فجعل عليه السلام لحوق هذه العبادة لهما بعد الايمان، على وجه الاستتباع للايمان فإذا لم يوجد المتبوع زال التابع.
مع أن الأخبار متظافرة بعدم صحة أعمال من لم يكن من أهل الولاية من جملتها ما رواه الصدوق باسناده إلى علي بن الحسين لو أن رجلا عمر ما عمر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يصوم النهار ويقوم الليل بين الركن و المقام ثم لقي الله عز وجل بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئا.
وقد أفردنا لتحقيق هذه المسألة رسالة مفردة من أرادها وقف عليها.
وقد أشكل بعض الأصحاب في سقوط القضاء عمن صلى منهم أو صام لاختلال الشرائط والأركان فكيف تجزي عن العبادة الصحيحة.
وهذا الاشكال مندفع بالنص الدال على السقوط وإنما لم يعذر وافي الزكاة لأنها دين دفعه المدين إلى غير مالكه كما أشار إليه في الخبر.
وليست العلة هدم الايمان ما قبله كهدم الاسلام لأنه لو كان كذلك لم يفترق الحال بين ما فعلوه وما تركوه ولا بين الزكاة وغيرها كالكافر.
ولأن الكافر يجب عليه الحج إذا استطاع دون المخالف.
وفي خبر سليمان بن خالد ما يوهم الهدم لأنه قال للصادق عليه السلام إني منذ عرفت هذا الأمر أصلي في كل يوم صلاتين أقضي ما فاتني قبل معرفتي فقال عليه السلام لا تفعل فإن الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة.
والاجماع واقع على عدم العمل بظاهره فإن ما تركه المخالف يجب عليه قضاؤه إنما الكلام فيما يفعله و قد أوله الأصحاب بأن سليمان بن خالد كان يقضي صلاته التي صلاها فأسماها فائتة باعتبار اخلاله فيها بما أحل به من الشرائط والأركان وهذا الحديث يؤيد ما قلناه من أن الصلاة فاسدة ولكن لا يجب قضاؤها مع أن في سند الحديث ضعفا فلا يصلح دليلا على الهدم.
بقي في المسألة بحث آخر وهو أن الأصحاب صرحوا هنا بأن المخالف إنما يسقط عنه قضاء ما صلاه صحيحا عنده كما قد بينا وتوقف جماعة منهم فيما صح عندنا خاصة وفي باب الحج عكسوا الحال فشرطوا في عدم إعادة الحج أن لا يخل بركن عندنا لا عندهم. وممن صرح بالقيدين المتخالفين الشهيد رحمه الله وأطلق جماعة منهم عدم إعادة ما صلوه وفعلوه من الحج وكذلك النصوص مطلقة وإنما حصل الاختلاف في فتوى جماعة المتأخرين والفرق غير واضح.
وأما سقوط القضاء عن عادم المطهر، فلعدم وجوب الأداء وتوقف وجوب القضاء على أمر جديد ولم يثبت هكذا استدل عليه المصنف في المخ.
ومنع الأول ظاهر لأن القضاء لا يتوقف على وجوب الأداء ولا ملازمة بين قضاء العبادة وأدائها وجودا ولا عدما وإنما يتبع سبب الوجوب وهو حاصل هنا والأمر الجديد حاصل وهو قوله صلى الله عليه وآله من فاتته صلاة فريضة فليقضها كما فاتته ولا يشترط في تسميتها فريضة تعيين المفروض عليه بل هي فريضة في الجملة ومن ثم لم ينسبها إلى مفروض عليه في الخبر.
ويدل عليه أيضا قول الباقر عليه السلام في خبر زرارة إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى فإن كنت تعلم أنك إذا صليت الفائتة كنت من الأخرى في وقت فابدأ بالتي فاتتك الحديث ودلالته أوضح من حيث إنه لم يسمها فريضة بل علق الحكم على الصلاة، خرج من ذلك ما أجمع على عدم قضائه فيبقى الباقي.
فإن قيل قوله: (فذكرتها) يدل على أن الخبر مخصوص بالناسي أو به وبالنائم لأن فاقد الطهور ذاكر للفريضة قبل دخول وقت الأخرى فيكون هذا الخبر مثل قوله صلى الله عليه وآله من نام عن صلاة أو نسيها، ولا نزاع فيه.
قلنا لا نسلم أولا اشتراط سبق النسيان حالة الفوات في تحقق الذكر بل يمكن فرضه وإن استمر العلم.
سلمنا لكن يتناول ما لو ذهل فاقد الطهور عن الصلاة بعد وجود المطهر وذكرها في وقت أخرى وجب عليه ح قضاؤها للأمر به في الحديث ومتى ثبت هذا الفرد ثبت غيره لعدم القائل بالفرق.
سلمنا لكن الخبر يتناول الناسي والنائم وغيرهما فيعود الذكر إلى من يمكن تعلقه به وذلك لا يوجب التخصيص به ويؤيد ذلك ما رواه زرارة أيضا عن الباقر عليه السلام فيمن صلى بغير طهور أو نسي صلوات أو نام قال يصليها إذا ذكرها في أي ساعة ذكرها ليلا أو نهارا، فذكر فيه الناسي والذاكر ثم علق الأمر بالقضا على الذكر، ويدل عليه أيضا ما رواه زرارة عن الباقر عليه السلام إذا نسي الرجل صلاة أو صلاها بغير طهور وهو مقيم أو مسافر فذكرها فليقض الذي وجب عليه لا يزيد على ذلك ولا ينقص الحديث ووجه الدلالة قوله عليه السلام صلاها بغير طهور فإنه يشمل باطلاقه القادر على تحصيل الطهور والعاجز عنه ومتى وجب القضا على تارك الطهور مع كونه قد صلى فوجوبه عليه لو لم يصل بطريق أولى وقد تقدم البحث عن هذه المسألة في باب التيمم وهذا القدر متمم لما هناك وقد ظهر منهما إن وجوب القضاء هنا أرجح.
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»
الفهرست