(فصل) وان أراد السفر بها وقد نهاه المالك عن ذلك ضمنها لأنه مخالف لصاحبها وان لم يكن نهاه لكن الطريق مخوف أو البلد الذي يسافر إليه مخوف ضمنها لأنه فرط في حفظها وان لم يكن كذلك فله السفر بها نص عليه أحمد سواء كان به ضرورة إلى السفر أو لم يكن، وبهذا قال أبو حنيفة، وقال الشافعي ان سافر بها مع القدرة على صاحبها أو وكيله أو الحاكم أو أمين ضمنها لأنه يسافر بها من غير ضرورة أشبه ما لو كان السفر مخوفا.
ولنا أنه نقلها إلى موضع مأمون فلم يضمنها كما لو نقلها في البلد ولأنه سافر بها سفرا غير مخوف أشبه ما لو لم يجد أحدا يتركها عنده ويقوى عندي أنه متى سافر بها مع القدرة على مالكها أو نائبه بغير اذنه فهو مفرط عليه الضمان لأنه يفوت على صاحبها امكان استرجاعها ويخاطر بها فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ان المسافر وماله لعلى قلت الا ما وقى الله) أي على هلاك ولا يلزم من الاذن في امساكها على وجه لا يتضمن هذا الخطر ولا يفوت امكان ردها على صاحبها الاذن فيما يتضمن ذلك فاما مع غيبة المالك ووكيله فله السفر بها إذا كان أحفظ لها لأنه موضع حاجته فيختار فعل ما فيه الحظ (فصل) وان حضره الموت فحكمه حكم السفر على ما مضى من أحكامه الا في أخذها معه لأن كل واحد منهما سبب لخروج الوديعة عن يده.
(مسألة) قال (وان كانت غلة فخلطها في صحاح أو صحاحا فخلطها في غلة فلا ضمان عليه) يعني بالغلة المكسرة إذا خلطها بصحاح من ماله أو خلط الصحاح بالمكسرة لم يضمنها لأنها تتميز منها فلا يعجز بذلك عن ردها على صاحبها فلم يضمنها كما لو تركها في صندوق وفيه أكياس له. وبهذا قال الشافعي ومالك ولا نعلم فيه اختلافا، وكذلك الحكم إذا خلط دراهم بدنانير، وبيضا بسود، وقد حكي عن أحمد فيمن خلط دراهم بيضا بسود يضمنها ولعله قال ذلك لكونها تكتسب منها سوادا أو يتغير لونها فتنقص قيمتها فإن لم يكن فيها ضرر فلا ضمان عليه والله تعالى أعلم