ولا ينفي وجوبه على القابض منه فعلى هذا يستقر الضمان على الأول فإن ضمنه لم يرجع على أحد وإن ضمن الثاني يرجع على الأول وهذا القول أشبه بالصواب وما ذكرنا للقول الأول لا أصل له ثم هو منتقض بما إذا دفع الوديعة إلى انسان عارية، أو هبة، أو وديعة لنفسه، فأما إن دفع الوديعة إلى من جرت عادته بحفظها له من أهله كامرأته وغلامه لم يضمن نص عليه احمد، وهو قول أبي حنيفة، وقال الشافعي يضمن لأنه سلم الوديعة إلى من لم يرض به صاحبها فضمنها كما لو سلمها إلى أجنبي ولنا أنه حفظها بما يحفظ به ماله فأشبه ما لو حفظها بنفسه وكما لو دفع الماشية إلى الراعي أو دفع البهيمة إلى غلامه ليسقيها ويفارق الأجنبي فإن دفعها إليه لا يعد حفظا منه (الصورة الثانية) إذا كان له عذر مثل ان أراد سفرا أو خاف عليها عند نفسه من حرق أو غرق أو غيره فهذا إن قدر على ردها على صاحبها أو وكيله في قبضها لم يجز له دفعها إلى غيره فإن فعل ضمنها لأنه دفعها إلى غير مالكها بغير اذن منه من غير عذر فضمنها كما لو أودعها في الصورة الأولى وان لم يقدر على صاحبها ولا وكيله فله دفعها إلى الحاكم سواء كان به ضرورة إلى السفر أو لم يكن لأنه متبرع بامساكها فلا يلزمه استدامته، والحاكم يقوم مقام صاحبها عند غيبته، وان أودعها مع قدرته على الحاكم ضمنها لأن غير الحاكم لا ولاية له ويحتمل أن يجوز له ايداعها لأنه قد يكون أحفظ لها وأحب إلى صاحبها وان لم يقدر على الحاكم فأودعها ثقة لم يضمنها لأنه موضع حاجة. وذكر القاضي أن ظاهر كلام احمد أنه يضمنها ثم تأول كلامه على أنه أودعها من غير حاجة أو مع قدرته على الحاكم وان دفنها في موضع وأعلم بها ثقة يده على الموضع وكانت مما لا يضرها الدفن فهو كايداعها عنده وان لم يعلم بها أحدا ضمنها لأنه فرط في حفظها فإنه لا يأمن أن يموت في سفره فلا تصل إلى صاحبها وربما نسي مكانها أو أصابه آفة من هدم أو حرق أو غرق فتضيع وان اعلم بها غير ثقة ضمنها لأنه ربما أخذها وان أعلم بها ثقة لا يدله على المكان فقد فرط لأنه لم يودعها إياه ولا يقدر على الاحتفاظ بها.
(٢٨٣)