يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فتأمر لك بها) فذكر دفعها إلى صنف وهو من الغارمين وأمر بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر وهو شخص واحد رواه أبو داود، وبعث إليه علي رضي الله عنه بذهيبة في تربتها فقسمها بين المؤلفة قلوبهم وهم صنف واحد، والآثار في هذا كثيرة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعتقد في كل صدقة ثابتة دفعها إلى جميع الأصناف ولا تعميمهم بها بل كان يدفعها إلى من تيسر من أهلها وهذا هو اللائق بحكمة الشرع وحسنه إذ غير جائز أن يكلف الله سبحانه من وجبت عليه شاة أو صاع من البر أو نصف مثقال أو خمسة دراهم دفعها إلى ثمانية عشر نفسا أو أحد وعشرين أو أربعة وعشرين نفسا من ثمانية أصناف لكل ثلاثة منهم ثمنها، والغالب تعذر وجودهم في الإقليم العظيم وعجز السلطان عن ايصال مال بيت المال مع كثرته إليهم على هذا الوجه فكيف يكلف الله تعالى كل من وجبت عليه زكاة جمعهم واعطاءهم وهو سبحانه القائل (وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقال (يريد الله بكم اليسر ولا بريد بكم العسر) وقال (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) وأظن من قال بوجوب دفعها على هذا الوجه إنما يقوله بلسانه ولا يقدر على فعله وما بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا في صدقة من الصدقات ولا أحدا من خلفائه ولامن صحابته ولا غير هم ولو كان هذا هو الواجب في الشريعة المطهرة لما أغفلوه، ولو فعلوه مع مشقته تنقل وما أهمل إذا لا يجوز على أهل التواتر إهمال نقل ما ندعو الحاجة إلى نقله سيما مع كثرة من تجب عليه الزكاة ووجود ذلك في كل زمان وفي كل مصر وبلد وهذا أمر ظاهر وقد سبقت هذه المسألة والكلام فيها فيما تقدم (فصل) ويستحب تقديمها على ما أمكن من الأصناف ليخرج من الخلاف وتعميم من أمكن من كل صنف فإن كان المتولي لتفريقها الساعي استحب إحصاء أهل السهمان من عمله حتى يكون فراغه من قبض الصدقات بعد تناهي أسمائهم وأنسابهم وحاجاتهم وقدر كفاياتهم لتكون تفرقته عقيب جمع الصدقة، ويبدأ أبا عطاء العامل لأنه يأخذه على طريق المعاوضة فكان استحقاقه أقوى ولذلك إذا عجزت الصدقة عن أجره تمم له من بيت المال ولان ما يأخذه أجرا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه) ثم بلاهم فالأهم وأهمهم أشد حاجة، فإن كانت الصدقة تفي بحاجة جميعهم أعطي كل إنسان منهم قدر ما يدفع به حاجته، فيعطى الفقير ما يغنيه وهو ما تحصل له به الكفاية في عامه ذلك له ولعياله، ويعطى المسكن ما تتم به الكفاية إلا أن يعطيه من الذهب أو الورق ففيه روايتان إحداهما يعطيه ما تتم به الكفاية والثانية لا يزيد على خمسين درهما أو قيمتها من الذهب إلا أن يكون له عيال فيدفع إليه لكل واحد منهم خمسين درهما ويدفع إلى العامل قدر أجره وإلى الغارم ما يقضي به غرمه وإلى المكاتب ما يوفي به كتابته والغازي يعطى ما يحتاج إليه لمؤنة غزوه، وابن السبيل ما يبلغه إلى بلده وان نقصت
(٣٣٠)