النهاية جواز الدفع إلى المديون وإن كان عنده ما يفي بدينه إذا كان بحيث لو دفعه يصير فقيرا لانتفاء الفائدة في أن يدفع ماله ثم يأخذ الزكاة باعتبار الفقر. قال في المدارك بعد نقله عنه: ومقتضى كلامه أن الأخذ والحال هذه يكون من سهم الغارمين، وهو غير بعيد لاطلاق الآية وعدم صدق التمكن من أداء الدين عرفا بذلك. انتهى.
أقول: لا ريب أن ما ذكروه من أنه يعتبر في الغارم أن يكون غير متمكن من الأداء هو مقتضى الأخبار التي ذكرناها فالأولى في الاستدلال على ما ذكروه هو الاستناد إليها، إلا أنهم (رضوان الله عليهم) لم يلموا في هذا المقام بشئ منها ولا ذكروا منها شيئا بالمرة فلذا عللوا الحكم المذكور بما ذكروه، وهو من حيث الاعتبار لا يخلو من قوة إلا أنك قد عرفت في غير موضع أن أمثال هذه التعليلات العقلية لا تصلح مجردة عن الأخبار لتأسيس الأحكام الشرعية.
وأما ما ذكره العلامة من جواز الدفع إلى المديون وإن كان عنده ما يفي بدينه فظواهر الأخبار التي ذكرناها تأباه وترده ولا سيما الخبر الأول فإنه صريح في ذلك وما ذكره في المدارك - من أنه غير بعيد لاطلاق الآية.. إلى آخر كلامه - ينافي ما صرح به أولا من ما نقلناه عنهم من أنه يعتبر في الغارم أن يكون غير متمكن من الأداء.. إلى آخر ما نقلناه عنهم، فإن هذا الكلام ظاهر في أنهم لم يعملوا على اطلاق الآية بل قيدوها بعدم التمكن، ولا ريب أن هذا متمكن كما هو المفروض وتعليلهم الذي ذكروه أظهر ظاهر في ذلك.
وأما ما ذكره من عدم صدق التمكن من أداء الدين عرفا فهو ممنوع أشد المنع، وكيف لا يكون متمكنا وعنده ما يفي بدينه كما هو المفروض، وإنما يتعللون بأنه بعد الدفع في الدين يكون فقيرا محتاجا إلى الزكاة.
وهذا لا يصلح وجها لما اعتمده (أما أولا) فلأن الله تعالى ضامن للرزق فلعل الله تعالى بسبب حسن نيته في قضاء دينه والمسارعة إلى فكاك عنقه بما عنده يعجل له بالرزق من حيث لا يحتسب ولا يحتاج إلى الزكاة.