ومما يدل على أن المراد بهذه الأخبار الكراهة ما رواه في الكافي في الموثق عن ابن بكير (1) قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجنب يأكل ويشرب ويقرأ القرآن؟ قال: نعم يأكل ويشرب ويقرأ ويذكر الله عز وجل ما شاء ".
والمفهوم من هذه الأخبار بضم بعضها إلى بعض هو ما ذكره الأصحاب (رضي الله عنهم) من كراهية الأكل والشرب وأنها تزول بما ذكر فيها، وقال في المدارك - بعد أن نقل صحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله أولا ثم صحيحة زرارة - ما لفظه: " ومقتضى الرواية الأولى استحباب الوضوء لمريد الأكل والشرب أو غسل اليد خاصة، ومقتضى الرواية الثانية الأمر بغسل اليد والوجه والمضمضة، وليس فيهما دلالة على كراهة الأكل والشرب بدون ذلك، ولا على توقف زوال الكراهة على المضمضة والاستنشاق أو خفتها بذلك " وجرى على منواله في الذخيرة كما هي قاعدته غالبا.
أقول: لما كان نظر السيد المذكور مقصورا على صحاح الأخبار اقتصر على هاتين الصحيحتين وهما وإن أوهما ما ذكره إلا أن جملة ما عداهما مما قدمناه ولا سيما عبارة كتاب الفقه الرضوي ظاهر فيما ذكره الأصحاب. فيجب تقييد هاتين الصحيحتين بها، والعجب منه أنه خفى عليه الوقوف على صحيحة الحلبي المروية في الفقيه وهي صحيحة صريحة في كراهة الأكل والشرب بدون ذلك.
بقي الكلام في أن صحيحة زرارة قد دلت على غسل اليد والمضمضة وغسل الوجه وصحيحة عبد الرحمان بن أبي عبد الله دلت على الوضوء أو غسل اليد وأن الأول أفضل وصحيحة الحلبي دلت على الوضوء خاصة، ورواية السكوني دلت على غسل اليد والمضمضة وكتاب الفقه على غسل اليد والمضمضة، والاستنشاق غير موجود إلا في عبارة هذا الكتاب، والظاهر أن الصدوق في عبارته المتقدمة إنما أخذه منه وتبعه الأصحاب في عبائرهم، والظاهر ترتب هذه الأمور في الفضل وزوال الكراهة بها بأن يكون أكمل.