والزكاة والنفقات الواجبات وغير ذلك، ولو أنهم احتجوا على أنفسهم بهذين النصين حيث أوجبوا الدية على عاقلة الصبي. والمجنون. وان كرهوا ولم تطب أنفسهم ولا رضوا ولا أوجبها الله تعالى قط ولا رسوله عليه الصلاة والسلام لكان أولى بهم وهذا هو الاكل للمال بالباطل حقا * وأما قوله عز وجل: (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به والحرمات قصاص) و (فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فحق كل ذلك، وقوله عز وجل: (فمن عفى له من أخيه شئ فاتباع بالمعروف وأداء إليه باحسان) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" اما أن يقاد وإما أن يودى " حكم زائد على تلك الآيات وأحكام الله عز وجل وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم كلها حق يضم بعضها إلى بعض ولا يحل خلاف شئ منها ولو أنهم احتجوا على أنفسهم بهذه الآيات حيث خالفوها من اسقاطهم القود للولد من أبيه واسقاط القود لمن لم يعف من أجل عفو واحد منهم واسقاط بعضهم القود للعبد من الحر لكان أولى بهم وأما قوله عز وجل: (فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل) فحق وبه نقول إذا اختار القود فليقتل قاتل وليه ولا يحل له أن يسرف فيقتل غير قاتله وليس ههنا ذكر الدية التي قد ورد حكمها في نص آخر، وأما قولهم: لا يخلو ولى المقتول من أن يكون له القصاص أو أخذ الدية بد لا من القصاص قالوا: ولم نجد قط حقا لانسان يكون له أخذ بدل منه بغير رضى الذي عليه الحق فهذيان نسوا فيه أقوالهم الفاسدة إذ قالوا: من كسر قلب فضة لغيره فصاحب القلب يخير بين أخذ قلبه كما هو ولا شئ له وان شاء ضمن قيمته مصوغا غير مكسور من الذهب أحب الكسر أو أبى، وإذ قالوا من غصب ثوب الآخر فقطعه قطعا استهلكه به كحرق أو خرق في بعضه فان صاحب الثوب مخير بين أن يأخذ ثوبه وقيمة نقصانه وان شاء أعطاه للغاصب وألزمه قيمته صحيحا بخلاف الحكم لو قطعه قميصا وبخلاف القمح إذا طحنه دقيقا.
والدقيق إذا خبزه خبزا. واللحم إذا طبخه أو شواه فلم يروا للمغصوب في كل هذا الا قيمة ما غصب منه فقط، وجعلوا القميص والخبز والطبخ والشواء حلالا للغاصب بحكم إبليس اللعين، فهذه ابدال أوجبوها بآرائهم الفاسدة فرضا من حقوق واجبة بغير رضى الذي ألزموها إياه ولا طيب نفسه، وأما نحن فلا نعترض على أحكام الله عز وجل وأحكام رسوله صلى الله عليه وسلم بهذه القضايا الخبيثة وبالله تعالى نتأيد، وأما قولهم: إن كان له القود أو الدية فلا يجوز عفوه عن أحدهما حتى يختاره فقول سخيف بل عفوه عن القود جائز وتبقى له النسية إلا أن العفو عنها كما امر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم كما أنه إذا اختار القود فقد اسقط حقه في الدية وإذا اختار الدية فقد