فان العفو عن حديث النفس إنما هو عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم فضيلة لهم بنص الخبر، ومن أسر الكفر فليس من أمته عليه الصلاة والسلام فهو خارج عن هذه الفضيلة، وأما المصر على المعاصي فليس كما ظننتم صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه " فصح ان المصر الآثم باصراره هو الذي عمل السيئة ثم أصر عليها، فهذا جمع نية السوء والعمل السوء معا، وأما من قذف محصنة في نفسه فقد نهاه الله عز وجل عن الظن السوء وهذا ظن سوء فخرج عما عفى عنه بالنص ولا يحل أن يقاس عليه غيره فيخالف النص الثابت في عفو الله عز وجل عن ذلك، واما من اعتقد عداوة مسلم فإن لم يضربه بعمل ولا بكلام فإنما هو بغضة والبغضة التي لا يقدر المرء على صرفها عن نفسه لا يؤاخذ بها فان تعمد ذلك فهو عاص لأنه مأمور بموالاة المسلم ومحبته فتعدى ما أمره الله تعالى به فلذلك أثم وهكذا الرياء والعجب قد صح النهى عنهما، ولم يأت نص قط بالزام طلاق أو عتاق أو رجعة أو هبة أو صدقة بالنفس لم يلفظ بشئ من ذلك فوجب انه كله لغو وبالله تعالى التوفيق * 1964 مسألة: ومن طلق وهو غير قاصد إلى الطلاق لكن أخطأ لسانه فان قامت عليه بينة قضى عليه بالطلاق وان لم تقم عليه بينة لكن أتى مستفتيا لم يلزمه الطلاق * برهان ذلك قول الله عز وجل: (ليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى " فصح أن لا عمل الا بنية ولا نية إلا بعمل، وأما إذا قامت بذلك بينة فإنه حق قد ثبت وهو في قوله لم أنو الطلاق مدع ذلك الحق الثابت فدعواه باطل، روينا من طريق وكيع عن أن أبى ليلى عن الحكم بن عتيبة عن خيثمة ابن عبد الرحمن قال: قالت امرأة لزوجها سمني فسماها الظبية قالت ما قلت شيئا قال فهات ما أسميك به قالت سمني خلية طالق قال فأنت خلية طالق فاتت عمر بن الخطاب فقالت إن زوجي طلقني فجاء زوجها فقص عليه القصة فأوجع عمر رأسها وقال لزوجها:
خذ بيدها وأوجع رأسها * قال أبو محمد: أما مثل هذا فحتى لو قامت به بينة لم يكن طلاقا، وروى قولنا عن إياس بن معاوية، وقال مالك إذا قال أنت طالق البتة وهو يريد أن يحلف على شئ ثم بدا له فترك اليمين فليست طالقا لأنه لم يرد أن يطلقها، وهو قول الليث بن سعد، وقال الشافعي ما غلب المرء على لسانه بغير اختيار منه لذلك فهو كلا قول لا يلزمه به طلاق ولا غيره، قال أبو حنيفة. وأصحابه: من أراد أن يقول شيئا لامرأته فسبقه