اعتراضهم المذكور، واعترضوا على الخبر الثابت الذي فيه (لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الرضعة ولا الرضعتان) بأن قالوا: هو خبر مضطرب في سنده فمرة عن عائشة ومرة عن الزبير فقلنا: فكان ماذا هذا قوة للخبر أن يروى من طرق وما يعترض بهذا في الآثار الا جاهل بما يجب في قبول النقل الثابت لأنه اعتراض لا دليل على صحته أصلا إنما هو دعوى فاسدة، والعجب كله أنهم يعيبون الاخبار الثابتة بنقلها مرة عن صاحب ومرة عن آخر ثم لا يفكر الحنيفيون في أخذهم بحديث أيمن فيما تقطع فيه يد السارق، وهو حديث ساقط مضطرب فيه أشد الاضطراب ولا يفكر المالكيون في أخذهم في ذلك بحديث ربع الدينار، وفى الصدقة في الفطر بخبر أبي سعيد وكلاهما أشد اضطرابا من خبر الرضعتين ولكنهم يتعلقون بما أمكنهم، وقالوا: عروة ابن الزبير أحد رواة ذلك الخبر وقد روى عنه أن قليل الرضاع وكثيره لا يحرم فقلنا:
فكان ماذا إنما الحجة في روايته لا رأيه، وقد أفردنا في كتابنا المعروف بالاعراب اضطراب الطائفتين في هذا المعنى وأخذهم برواية الراوي وتركهم لرأيه في خلافه لما رواه * وذكروا أيضا اعتراضات في غاية الفساد والغثاثة لا يخفى سقوطها على ذي فهم عمدتها ما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق، فوجب الاخذ بهذه الاخبار، ولما كان عليه الصلاة والسلام قد أخبر أنه لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان ولا المصة ولا المصتان علمنا أن المصة غير الرضعة فمن ذلك قلنا: إن استنفاد الراضع ما في الثديين متصلا رضعة واحدة وان المصة لا تحرم الا إذا علمنا أنها قد سدت مسدا من الجوع ولا يوقن بوصولها إلى الأمعاء وان اليسير من ذلك الذي لا يسد مسدا من الجوع ولا يوقن بوصوله إلى الأمعاء لا يحرم شيئا أصلا وبالله تعالى التوفيق * 1869 مسألة ورضاع الكبير محرم ولو أنه شيخ يحرم كما يحرم رضاع الصغير (1) ولا فرق، وهذا مكان اختلف الناس فيه فطائفة قالت: يحرم من الرضاع في الصغر ولا يحرم في الكبر ولم يحدوا حدا في ذلك كما روينا من طريق مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حاش عائشة وحدها كن يرين رضاع سالم مولى أبى حذيفة خاصة له فدل ذلك على أنهن كن يرين لا يحرم الارضاع الصغير لارضاع الكبير دون ان يرد عنهن في ذلك حد * ومن طريق مالك عن عبد الله بن دينار أنه سمع ابن عمر وقد سأله رجل عن رضاع الكبير فقال له ابن عمر: قال عمر بن الخطاب: إنما الرضاعة رضاعة الصغير * ومن طريق مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: لا رضاعة الا ما أرضع في الصغر ولا رضاعة لكبير *