ولازمه خادما له من حين قدم عليه السلام المدينة إلى حين موته صلى الله عليه وسلم فصح يقينا قطعا بلا شك انه سمع انس خطبته عليه الصلاة والسلام ونهيه عن المثلة قبل فعله عليه الصلاة والسلام بالذين قتلوا الرعاء فبطل ضرورة أن يكون المتقدم ناسخا للمتأخر وبالله ان ضرب العنق بالسيف لأعظم مثلة ولقد شاهدناه فرأيناه منظرا وحشا وكأنه جسد بأربعة أفخاذ فظهر فساد احتجاجهم بالمثلة وصح ان كل ما أمر به عليه الصلاة والسلام فليس هو مثلة إنما المثلة من فعل ما نهاه الله تعالى عنه متعديا ولا مزيد، وأما قولهم إن في رواية أيوب " ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر به فرجم بالحجارة حتى مات، فلا شك ولا خلاف في أن تلك الروايات كلها هي في قصة واحدة في مقام واحد في انسان واحد فقول أيوب عن أبي قلابة عن أنس فامر به فرجم حتى مات، وقول شعبة عن هشام ابن زيد عن أنس فامر به فرض. رأسه بين حجرين وقول همام عن قتادة عن أنس فامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ان ترض رأسه بين الحجارة أخبار عن عمل واحد وإذا رض رأسه بين حجرين فقد رض بالحجارة وقد رجم رأسه حتى مات فبطل تعلقهم باختلاف ألفاظ الرواة إذ كلها معنى واحد ولله تعالى الحمد وكلهم ثقة وإنما هذا تعلل في مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالباطل * واحتجوا أيضا بما روى من طريق أبى داود نا مسلم بن إبراهيم نا شعبة، عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس قال:
خصلتان سمعتهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان الله كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته " * قال أبو محمد رضي الله عنه: وهذا صحيح وغاية الاحسان في القتلة هو أن يقتله بمثل ما قتل هو وهذا هو عين العدل والانصاف والحرمات قصاص، وأما من ضرب بالسيف عنق من قتل آخر خنقا أو تغريقا أو شدخا فما أحسن القتلة بل إنه أساءها أشد الإساءة إذ خالف ما أمر الله عز وجل به وتعدى حدوده وعاقب بغير ما عوقب به وليه والا فكله قتل وما الايقاف لضرب العنق بالسيف بأهون من الغم والخنق وقد لا يموت من عدة ضربات واحدة بعد أخرى هذا أمر قد شاهدناه ونسأل الله العافية، فعاد هذا الخبر حجة عليهم * واحتجوا بما رويناه من طريق أبى داود نا أبو داود الطيالسي نا شعبة عن هشام بن زيد عن أنس انه كان معه فقال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن تصبر البهائم " * قال أبو محمد رضي الله عنه: هذا من طريف ما موهوا به ومتى خالفنا هم في أن العبث بالبهائم وبغير البهائم لا يحل إنما بهم ان يموهوا أنهم يحتجون وهم لا يأتون الا بما نهوا عنه وأما بالباطل نعم صبر البهائم لا يحل الا حيث أمر الله تعالى به من الذبح والنخر والرمي فيما شرد بالنبل والرماح وارسال الكلاب وسباع الطير عليها فهذا كله حلال حسن