الكبريات الفقهية، بخلاف المسائل الأصولية، فإنه لا يصح التشكيل المذكور بأن يقال: " وجوب صلاة الزلزلة مما أخبر به الثقة، وكل ما أخبر به الثقة حجة، فالوجوب المذكور حجة " إلا إذا تشبث بالشكل الأول الآخر المنتهي إليه.
أو يقال: إن المراد من " الحجة " هو وجوب الاتباع، ولكنه غلط، لأن الحجة ربما تكون منجزة، وربما تكون معذرة، فليتأمل جيدا. ولعمري إن إطالة البحث حول المسألة لا ترجع إلى محصل.
وقد عرفت منا في السالف: أن علم الأصول ليس علما كسائر العلوم، بل الفقيه لما رأى أنه يحتاج إلى تنقيح عدة مسائل مبتلى بها في الفقه من أوله إلى آخره، بنى على تدوين تلك المسائل وتنقيحها، كي يستند إليها عند الحاجة من غير أن يلزم التكرار في الفقه مرارا (1)، كحجية الظواهر، وظهور الأوامر في الوجوب، والنواهي في الحرمة، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، وأحكام العلم الاجمالي، والقطع، وخبر الثقة، والبراءة، والاشتغال، والاستصحاب، والتعادل والترجيح.
وأنت ترى ابتلاءه بها من أول كتاب التقليد إلى آخر الحدود والديات والقصاص، ولذلك ذكرنا: أن ما يذكرونه قبل الأوامر أيضا من تلك المسائل، لسعة الابتلاء بها، ولا يختص حتى مثل الصحيح والأعم بلفظ " الصلاة " بل الجهة المبحوث عنها أعم.
بخلاف القواعد الفقهية، فإنها تختص بكتاب أو كتابين، أو بمسائل من كتاب واحد، من غير الحاجة إلى درجها في الموازين العلمية، بأن يتوهم: أن علم الأصول علم، وموضوعه الأدلة الأربعة (2)، غفلة عن أن العلم الواحد لا يكون موضوعه