وأما ما ذكره من المعارضة بالصلاة فهي مناقشة واهية، فإن ما عدده من الصور في توقف الصلاة على المال أمور نادرة وقد لا تقع بالكلية وإن كان فرضها ممكنا، بخلاف الحج فإن توقفه على المال ولا سيما من الآفاقي أمر ضروري اتفاقي، والأحكام الشرعية إنما تبنى على الأفراد المتكثرة الشائعة المتكررة، فوصف الحج بكونه واجبا ماليا باعتبار توقفه على المال صحيح لا ريب فيه، والصلاة لا توصف بذلك باعتبار هذه الفروض النادرة وإنما توصف بكونها واجبا بدنيا كما هو الشائع المتكرر في ايقاعها، وتوقفها نادرا على ذلك لا يقدح في كونها واجبا بدنيا.
وبالجملة فإنه لما كان الواجب في حال الحياة - على المكلف بالحج من أهل الآقاق والبلدان الذين هم الفرد الغالب المتكثر بل وغيرهم من حاضري مكة - أمرين: صرف المال والمباشرة بالبدن، وبعد الموت تعذرت المباشرة بقي الوجوب المتعلق بالمال على حاله. والمكلف بالصلاة لما كان الواجب عليه فيها إنما هو المباشرة بالبدن، والمال لا مدخل له فيها في حال الحياة، فبعد الموت سقط الخطاب عن ماله وتوقف وجوب الاتيان بها على الوصية. إلا أنه سيأتي في المقام ما يظهر منه المنافاة لما قررناه من هذا الكلام.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد روى ثقة الاسلام في الكافي والشيخ في التهذيب في الصحيح عن مسمع بن عبد الملك (1) قال: " قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
كانت لي جارية حبلى فنذرت لله (تعالى) إن ولدت غلاما أن أحجه أو أحج عنه؟
فقال: إن رجلا نذر لله في ابن له إن هو أدرك أن يحجه أو يحج عنه، فمات الأب وأدرك الغلام بعد، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله الغلام فسأله عن ذلك، فأمر