ثم إنه على تقدير الوجوب هل هو من الأصل أو من الثلث؟ المشهور الأول وقيل بالثاني.
قال السيد السند في المدارك - بعد قول المصنف (قدس سره): ولو تمكن من أدائه ثم مات قضى عنه من أصل تركته - ما هذا لفظه: وأما وجوب قضائه من أصل التركة إذا مات بعد التمكن من الحج فمقطوع به في كلام أكثر الأصحاب، واستدلوا عليه بأنه واجب مالي ثابت في الذمة فيجب قضاؤه من أصل ماله كحج الاسلام. وهو استدلال ضعيف (أما أولا) - فلأن النذر إنما اقتضى وجوب الأداء، والقضاء يحتاج إلى أمر جديد كما في حج الاسلام، وبدونه يكون منفيا بالأصل السالم من المعارض. (وأما ثانيا) - فلمنع كون الحج واجبا ماليا، لأنه عبارة عن المناسك المخصوصة وليس بذل المال داخلا في ماهيته ولا من ضرورياته. وتوقفه عليه في بعض الصور كتوقف الصلاة عليه في بعض الوجوه، كما إذا احتاج إلى شراء الماء أو استئجار المكان أو الساتر ونحو ذلك مع القطع بعدم وجوب قضائها من التركة. وذهب جمع من الأصحاب إلى وجوب قضاء الحج المنذور من الثلث، ومستنده غير واضح أيضا. وبالجملة فالنذر إنما تعلق بفعل الحج مباشرة وايجاب قضائه من الأصل أو الثلث يتوقف على الدليل. انتهى كلامه زيد مقامه.
أقول: أما ما ذكره (قدس سره) من ضعف الوجه الأول فيمكن المناقشة فيه بأن قوله -: إن النذر إنما اقتضى وجوب الأداء، والقضاء يحتاج إلى أمر جديد - مردود بأنه لا ريب أن النذر قد اقتضى شغل الذمة اليقيني بالمنذور واستقرار وجوبه بعد مضي زمان التمكن منه، والظاهر بقاء الاشتغال والتعلق بالذمة حتى يحصل الاتيان بالفعل من المكلف أو نائبه، وتخرج الأخبار الواردة في حج الاسلام شاهدا على ذلك، فإنه بعد استقرار حج الاسلام في الذمة