المصنف هنا الأقوال ثلاثة، ولا يتحقق الفرق بين القولين الأخيرين إلا على تقدير القول بسقوط الحج مع عدم سعة المال للحج من البلد على القول الثاني.
ولا نعرف بذلك قائلا، مع أنه مخالف للروايات كلها. انتهى.
أقول: هذا القول وإن لم ينقل صريحا عن أحد من المتقدمين كما ذكره إلا أنه صريح شيخنا الشهيد في الدروس، كما عرفت من عبارته التي قدمناها في صدر المسألة.
والتحقيق في ذلك أن يقال: إن أصل مطرح الخلاف في المسألة بين الخاصة والعامة - كما سمعته من كلام التذكرة - إنما هو بالنسبة إلى من في ماله سعة الحج من البلد، هل يجب عليه أن يحج عنه من بلده بالتقريب الذي ذكره أصحاب هذا القول كما تقدم، أو إنما يجب الحج عنه من الميقات خاصة بالتقريب المتقدم في كلامهم؟ ومقتضى ذلك أن من لم يخلف سعة من المال يحج به من البلد يسقط الحج عنه على تقدير القول بالبلد، كما ذكره (قدس سره) وهو ظاهر المنقول عن العامة القائلين بهذا القول، كما يشعر به كلام التذكرة المتقدم، والخلاف في هذه المسألة ليس مختصا بالخاصة حتى يدعي أنه لم يعرف بذلك قائلا. إلا أن ابن إدريس الذي هو الفائل بالبلد من أصحابنا وافق الأصحاب في الاستئجار من الميقات في ما إذا لم يخلف إلا قدر ما يحج به من الميقات، كما تقدم في عبارته.
وأما مع وجود السعة للحج من الأماكن المتوسطة بين البلد وبين الميقات فلم يتعرض له في كلامه بالمرة، وهذا القائل قد تعرض له وأوجب الاستئجار من كل مكان وسعه المال من البلد فصاعدا إلى الميقات. وحينئذ فالظاهر تخصيص كلام ابن إدريس، إما بحمل كلامه على ما يرجع به إلى القول الثالث، وهذا هو ظاهر شيخنا الشهيد الثاني في المسالك، حيث قال بعد نقل القولين - الوجوب من الميقات والثاني من البلد -: " ومراد صاحب هذا القول أن ذلك مع سعة المال وإلا فمن