قال أبو محمد رضي الله عنه: والحق المتيقن في هذا ان الأحكام لازمة لكل بالغ حتى يوقن انه ذاهب العقل بجنون أو سكر * وأما ما لم يوقن ذلك فالأحكام له لازمة وحال ذهاب العقل بأحد هذين الوجهين لا يخفى على من يشاهده، وقد وافقنا المخالفون لنا في هذا المكان على أن لا يؤخذ السكران بارتداده عن الاسلام وهذا أشنع من كل ما سواه، فان قالوا: فهلا جعلتم في ذلك دية قلنا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم واعراضكم وأبشاركم عليكم حرام " فأموال الصبي والمجنون والسكران حرام بغير نص كتحريم دمائهم ولا فرق ولا نص في وجوب غرامة عليهم أصلا، وجاءت عمن دون رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك آثار أما الصبي فجاء عن علي بن أبي طالب أثر بان ستة صبيان تغاطوا في النهر فغرق أحدهم فشهد اثنان على ثلاثة وشهد الثلاثة على الاثنين فجعل على على الاثنين ثلاثة أخماس الدية وجعل على الثلاثة خمسي الدية وهذا لا يصح البتة لأنه من رواية سلمة بن كهيل أو حماد بن أبي سليمان ان علي بن أبي طالب وكلاهما لم يولد الا بعد موت على، ومن طريق الحجاج بن أرطأة وهو هالك ثم لو صح لكان المالكيون والحنيفيون والشافعيون مخالفين له وإنما يكون الشئ حجة على من صححه لا على من لم يصححه، وروى ايجاب الغرامة على عاقلة الصبي الزهري. وحماد بن أبي سليمان. وإبراهيم النخعي. وقتادة، وبه يقول أبو حنيفة، وروى عن ربيعة أنه قال: إذا كان الصبي صغيرا جدا فلا شئ على عاقلته ولا في ماله وإن كان يعقل فالدية على عاقلته. وبه يقول مالك، وقال الشافعي: هي في ماله بكل حال * قال أبو محمد رضي الله عنه: فهذه مناقضات ظاهرة وأقوال بلا دليل لا من قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا رواية عن صاحب أصلا ولا قياس وما كان هكذا فهو باطل متيقن، وقد اتفقوا على أنه لا يجوز ان يقاس على العامد وقياسه على الخطأ باطل لو كان القياس حقا لأنه لا يقاس عندهم الشئ إلا على نظيره ومشبهه ولا شبه بين العاقل البالغ وبين الصبي والمجنون أصلا فبطل كل ما قالوه وبالله تعالى التوفيق * وقد أجمعوا على سقوط الكفارة في ذلك عنه فلو كان القياس حقا لكان اسقاط الدية قياسا على سقوط الكفارة في ذلك أصح قياس يوجد ولكنهم لا النصوص يتبعون ولا القياس يحسنون ولا الصحابة يقلدون * وأما المجنون فحدثنا أحمد بن عمر ابن انس نا عبد الله بن الحسين بن عقال نا إبراهيم بن محمد الدينوري نا محمد ابن أحمد بن الجهم نا جعفر بن محمد الصائغ نا عفان - هو ابن مسلم - نا صخر بن
(٣٤٥)