ولنا أن الله تعالى بدأ بالفقراء فيدل على أنهم أهم، وقال تعالى (أما السفينة فكانت لمساكين يعلمون في البحر) فأخبر أن المساكين لهم سفينة يعملون بها، ولان النبي صلى الله عليه وسلم قال (اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين) وكان يستعيذ من الفقر ولا يجوز أن يسأل الله تعالى شدة الحاجة ويستعيذ من حالة أصلح منها ولان الفقر مشتق من فقر الظهر فعيل بمعنى مفعول أي مفقور وهو الذي يرعب فقره ظهره فانقطع صاحبه قال الشاعر:
لما رأى لبد النسور تطايرت * رفع القوادم كالفقير الأعزل أي لم يطق الطيران كالذي انقطع صلبه والمسكين مفعيل من السكون وهو الذي أسكنته الحاجة ومن كسر صلبه أشد حالا من الساكن، فأما الآية فهي حجة لنا فإن نعت الله تعالى للمسكين بكونه ذا متربة يدل على أن هذا النعت لا يستحقه باطلاق اسم المسكنة كما يقال ثوب ذو علم ويجوز التعبير بالمسكين عن الفقير بقرينة وبغير قرينة والشعر أيضا حجة لنا فإنه أخبر أن الذي كانت حلوبته وفق العيال لم يترك لهم سبد فصار فقيرا لا شي ء له إذا تقرر هذا فالفقير الذي لا يقدر على كسب ما يقع موقعا من كفايته ولا له من الأجرة أو من المال الدائم ما يقع موقعا من كفايته ولا له خمسون درهما ولا قيمتها من الذهب مثل الزمنى والمكافيف وهم العميان سموا بذلك لكف أبصارهم لأن هؤلاء في الغالب لا يقدرون على اكتساب ما يقع موقعا من كفايتهم وربما لا يقدرون على شئ أصلا قال الله تعالى (للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا) ومعنى قولهم يقع موقعا من كفايتهم أنه يحصل به معظم الكفاية أو نصف الكفاية مثل من يكفيه عشرة فيحصل له من مكسبه أو غير خمسة فما زاد، والذي لا يحصل له الا ما لا يقع موقعا من كفايته كالذي لا يحصل له إلا ثلاثة أو دونها فهذا هو الفقير والأول هو المسكين فيعطي كل واحد منهما ما يتم به كفايته وتنسد به حاجته لأن المقصود دفعها واغناء صاحبها ولا يحصل إلا بذلك والذي