فإلى هنا قد فرغنا من عهدة المبادئ التي يتوقف إثبات المفهوم عليها، ولا وجه لإنكارها، بل في إنكارها نوع مكابرة للعقل والوجدان.
والذي هو المهم في المسألة، وعليه يدور اختلاف تقاريب القوم في المقام، رابعها، أي رابع تلك الأمور في وجه، أو خامس هذه المبادئ في وجه آخر، وهو إثبات كون المقدم علة تامة منحصرة، وإثبات حصر الموضوع بالمذكور في المقدم.
ومن هنا يظهر: أن الوجوه التي تمسكوا بها ليست مختلفة في تلك المبادئ، ولا يليق الخلاف فيها، وإنما الخلاف في إثبات المبدأ الأخير والأمر الآخر، وهو الحصر، فلا وجه لما يستفاد من ظاهر القوم من اختلاف الأعلام في كيفية استفادة العلية المنحصرة من القضية الشرطية، بل هم مختلفون في جهة واحدة، وهي حصر المقدم في العلية، بعد اعتراف الكل بأصل العلية، والأمر سهل.
إن قلت: لا حاجة إلى إثبات علية المقدم للتالي في استفادة المفهوم، ضرورة إمكان ذلك مع كونهما معلولي علة ثالثة منحصرة، وذلك لأن التالي والمقدم إذا كانا معلولي ثالث، وكان الثالث علة وحيدة لهما، يلزم من انتفاء المقدم انتفاء تلك العلة، ومن انتفاء العلة انتفاء التالي، ويثبت بذلك الانتفاء عند الانتفاء، لما لا يعقل أن يكون التالي ثابتا بعلة أخرى، لأنه لا علة له إلا ما هو علة المقدم.
مثلا: إذا نظرنا إلى قولك: " إذا قصرت أفطرت " يمكن استفادة المفهوم من هذه القضية مع كون القصر والإفطار معلولي السفر، فلو كان علة القصر والإفطار منحصرة بالسفر، يلزم من انتفاء القصر انتفاء السفر، ومن انتفاء السفر انتفاء الإفطار بالضرورة، حسب قانون العلية فيكون حكم الإفطار وعدمه دائرا مدار حكم السفر بالواسطة.
نعم، إذا كان للإفطار علة أخرى لا يمكن الحكم بالانتفاء عند الانتفاء،