وإجماله: أن الشرع الأقدس في توجيه ارتكابه لتأخير البيان، مع لزوم ارتكاب المكلفين ما لا مصلحة فيه، يمكن أن يقول باقتضاء بعض الأمور السياسية والجهات الروحية ذلك، فإذا كان المولى على هذه المحاسبة يؤخر ذكر الخاص والمقيد، فطبعا يصير لملاحظة هذه المصالح العالية الاعتبارية، راضيا بما يصنعه المكلف في بيعه وشرائه وتجاراته وعباداته وأعماله، وعندئذ يصير الكل موافقا للمصالح النفس الأمرية، ولا يبتلى المكلف بالأعمال الباطلة، والمعاملات أو العبادات الفاسدة، لرضا الشرع - حسب تلك المصالح - بهذه الأعمال غير الواجدة للقيود والشرائط.
فعندئذ إذا ورد المقيد والخاص يعد هذا ناسخا بهذا المعنى، لأنه كان راضيا بما تصنعه الأمة، وكانت أفعالهم ذات مصالح سياسية عالية وإن كانت ذات مفاسد طبيعية جزئية، فإن كان النسخ هذا فهو صحيح، وكثير بين الموالي والعبيد، ولعل الشرع الأنور أيضا على هذه المثابة.
نعم، إذا كان مثلا بيع الخمر مبغوضا في جميع الأحيان، لا يرضى الشرع بذلك، ولكن يؤخر بيانه لمنع مانع، فإنه إذا ورد التقييد لا يعد هذا ناسخا، لعدم موافقته لرضا الشرع من الأول، وأما هذا الفرض فغير قابل للاتفاق إلا في بعض أعصار التقية، فتأمل.
وبالجملة تحصل: أن في تأخير البيان والمقيد بالاختيار، رضا بالأعمال والأفعال، وعندئذ تكون هي صحيحة مطابقة مع الأغراض العالية الإسلامية، ويعد القيد المتأخر ناسخا، والالتزام بمثله جائز جدا، وقطعي واقعا، والله العالم.
بقي شئ: في حكم تقدم زمان المقيد على المطلق إذا كان في هذه الصورة تأريخ المقيد مقدما على المطلق، فالجمع بينهما