وأما في الفرض الثاني فلا يكون معروض الحكم إلا الطبيعة، ولا يسري منها إلى الأفراد، فإنه خلاف التحقيق في باب الإطلاق، وعندئذ لا يكون شئ في حال العدم محكوما أو معروضا لشئ أصلا، وبعدما يوجد الفرد في العصور المتأخرة فهو محكوم الحكم، لأجل أن الطبيعة المعروضة تنطبق عليه قهرا، ولا يكون المقنن إلا في مقام بعث طبيعي المؤمن أو طبيعي الانسان إلى المادة المطلوبة، أو لا يكون إلا في موقف جعل الحكم الأعم من الوضعي والتكليفي على طبيعي البائع والمبيع، وكأن الحكم يصير من اللوازم لها المتحقق بتحققها، فلا يلزم اتصاف شئ حال العدم بشئ.
والذي هو التحقيق: أن القوانين بجملتها لا تأبى عن شمول المعدومين، ولا تقصر عن إسراء الحكم إليهم، إلا أن المقصود إن كان إسراء الحكم إليهم حال العدم فهو محال، وليس مورد النظر ولا المطلوب في المقام.
وإن كان المنظور إسراء الحكم إليهم في ظرف وجودهم، فلا غبار على عدم قصورها، ضرورة أن العناوين المأخوذة في القوانين، بين ما هي من أشباه القضايا الخارجية التي لا تنطبق إلا على الموجودين في حال الخطاب والإلقاء، وبين ما هي كالقضايا الحقيقية:
فما كان من قبيل الأول فلا يمكن أن يشمل غيره، كقولك: " قتل من في العسكر " فإنه يأبى عن كونه إخبارا عن قتل غيرهم إذا كان المراد من " العسكر " عسكرا شخصيا. وهكذا إذا كان عسكرا كليا، فإنه وإن خرج من الخارجية وصار حقيقية، إلا أنه حقيقية في مصب خاص، كما هو الواضح.
وأما ما كان من القضايا الحقيقية فلا يأبى عن الشمول، وذلك لأن قوله تعالى:
* (ولله على الناس حج البيت) * ولو كان عاما مسريا إلى الأفراد، إلا أن المعدوم