وإن لم يبعد في رواية الكابلي، لكن ترك الأرض - بقول مطلق - دليل على الإعراض، وإلا فمن ترك زراعة أرض في سنة أو سنتين، لا يقال: «إنه تركها وأخربها».
مع أن رواية الكابلي مخالفة للنص والفتوى من جهات، فلا يعتمد عليها، وظاهر الصحيحة ما ذكرناه، ولا سيما مع المناسبات المغروسة في الأذهان، ومع ملاحظة الروايات المتقدمة; مما لا شبهة في دلالة نحو قوله (عليه السلام) فيها «انجلى» أو «جلا أهلها» على الإعراض.
ويؤيد ذلك: أن التعبير في الصحيحة: بأن الأرض كانت «لرجل قبله فغاب» بصيغة الماضي، وأن قوله (عليه السلام): «ثم جاء بعد يطلبها» لم يفرض فيه كونه صاحبها، بخلاف الصحيحتين الآتيتين، حيث فرض فيهما كونه صاحبها.
وأما صحيحة سليمان بن خالد قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي الأرض الخربة، فيستخرجها ويجري أنهارها، ويعمرها ويزرعها، ماذا عليه؟
قال: «الصدقة».
قلت: فإن كان يعرف صاحبها؟
قال: «فليؤد إليه حقه» (1).
وصحيحة الحلبي المنقولة عن «نوادر ابن عيسى» قال: سألته عن أرض خربة، عمرها رجل، وكسح أنهارها، هل عليه فيها صدقة؟
قال: «إن كان يعرف صاحبها فليؤد إليه حقه» (2).
فلم يكن موردهما هو الإعراض، بل الظاهر من الثانية ومن ذيل الأولى