والتحقيق: لزوم الأخذ بعنوان الغرر وعنوان المجازفة في المكيل، سواء كان فيه غرر أم لا، ففيما لا يلزم منه الخطر أو الضرر، لا يشمله دليل الغرر بناء على كونه بمعناهما، ولكن لو كان مكيلا يبطل إذا كان جزافا وبلا كيل، كالمثال المتقدم.
والأخذ بالعنوان ليس لأجل كون الغرر حكمة لا علة; لعدم الدليل على شئ منهما، بل للزوم الأخذ بالحجة بعنوانها، صدق عليها عنوان آخر أم لا.
المراد من البيع مجازفة ثم إن الظاهر أن البيع مجازفة، بيع الشئ بلا مقياس وميزان، كبيع صبرة مثلا، وأما لزوم العلم بمقدار الكيل وزنا أو العكس فلا، فلو تعارف كيل في مصر، ولم يعلم مقداره وزنا، أو وزن ولم يعلم حده بالكيل، لا يكون البيع جزافا.
فلو دخل غريب في مصر، يتعارف فيه كيل خاص غير كيل بلده، أو لم يتعارف في بلده إلا الوزن، لم يكن بيعه بكيلهم المتعارف مجازفة، بل ولا غررا بمعنى الخطر وإن كان مجهول الوزن، بل يمكن دعوى انصراف النهي عن بيع الغرر عن مثله، فالكيل بنفسه مقياس لتعيين المقادير كالوزن، ولا دليل على أن الوزن أصل، وحدوث الكيل بعده للسهولة (1).
بل لا يبعد أن يكون الأقدم والأصل في ابتداء التمدن، هو التقدير بمثل الكف في المقادير القليلة، وبالمشاهدة في غيرها، ثم بالمكاييل البسيطة قبل عصر الفلز، كالظروف المصنوعة من الطين، أو ألياف الأشجار ونحوهما، ثم بعد