أولا وإن قل في بعض الفروض، كما إذا حصلت الاستطاعة في الميقات مثلا، لأن الاستطاعة عندنا - كما حققناه آنفا - عبارة عن القدرة على الاتيان بالحج كيف اتفق من غير مشقة، وكذلك بعد الموت يجب الحج عنه على الوجه الذي استقر في الذمة. والتمسك باطلاق قولهم (عليهم السلام) في أخبار القضاء: " من مات مستطيعا يقضي عنه الحج " (1) يراد به على الوجه الذي فات عليه. وتشهد بذلك الأخبار التي ذكرناها في الوجوه الثلاثة المتقدمة. على أن اللازم من ما ذكروه - من عدم شرطية الاستطاعة في القضاء عن الميت - أنه لو مات مستطيعا للحج من الميقات وجب أن يقضي عنه من الميقات. وهو باطل اجماعا. وقولهم -:
إنه لو أفاق المجنون عند الميقات، أو استطاع في ذلك المكان، أو اتفق حضوره الميقات، لم يجب عليه قصد البلد - صحيح، لأنا لا نوجب في القضاء عنه الحج من البلد مطلقا، وإنما ترتبه على أنه بعد حصول الاستطاعة كائنا ما كان لو مات وجب القضاء عنه من محل الموت، فلو مات أحد من هذه الأفراد المعدودة - أعني المجنون وما بعده - لم نوجب القضاء عنه إلا من ذلك المكان، كما سمعت من حديث السرائر. والأخبار الخارجة بالبلد في الوصية - كما قدمناها - إنما خرجت مخرج الغالب والأكثر من حصول ذلك في بلد الاستيطان، فلا ينافي ذلك ما اتفق على غير هذا الوجه.
فعليك بالفكر الدقيق في هذا التحقيق الرشيق، فإنه حقيق أن يكتب بالتبر على الأحداق لا بالحبر على الأوراق، إلا أن الألف بالمشهورات - سيما إذا زخرفت بالاجماعات - شنشنة أخزمية وطريقة لا تخلو من عصبية.
وكيف كان فإنا في المسألة من المتوقفين لعدم النص الصريح، والاحتياط