وأما المتأخرون فان أبا حنيفة. وسفيان الثوري. والحسن بن حي. والأوزاعي.
والشافعي قالوا بما روى عن عمر بن الخطاب. وابن مسعود أن لكل وارث عفوا ولا يقتل الا باجتماعهم على قتله، وقال ابن شبرمة، والليث: ليس للنساء عفو وقال ابن أبي ليلى لكل وارث عفو الا الزوج والزوجة فلا عفو لهما، وقال مالك: الامر المجتمع عليه عندنا في الرجل يقتل عمدا وليس له ولاة الا النساء والعصبة فأراد العصبة أن يعفو عن الدم وأبى بنات المقتول فإنه لا عفو للعصبة ويقتل به قاتله فان أراد بنات المقتول أن يعفون وأبى العصبة فلا عفو للبنات والقول ما قال العصبة ويقتل القاتل إذا لم يجتمع على العفو، وكذلك ان كانت له ابنة واحدة فأرادت القتل وعفا العصبة فيقتل ولا عفو للعصبة، ورأي إذا كان للمقتول ابن وابنة أنه لا عفو للابنة مع الابن ولكن ان عفا الابن جاز على الابنة ورأي عفو الأقرب فالأقرب من العصبة جائزا على الابعد منهم * قال أبو محمد: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائف لقولها لنعلم الحق من ذلك فنظر نا فيما قالت به الطائفة القائلة بان عفو كل ذي سهم جائز فوجدناهم يقولون بقول الله تعالى: (وان تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم) فلما كان العفو أقرب للتقوى وجب أن من دعى إلى من هو أقرب للتقوى كان قول أولى، وذكروا في ذلك ما روى عن أنس بن مالك أنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع إليه شئ فيه قصاص الا أمر بالعفو قالوا: فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر في كل قصاص رفع إليه بالعفو فوجب أن يكون العفو مغلبا على القود، وهذا أيضا حكم قد جاء عن عمر. وابن مسعود بحضرة الصحابة رضي الله عنهم ولا يعرف لهما مخالف فهذا كل ما احتجوا به ما نعرف لهم شيئا غيره أصلا، ثم نظرنا في قول من قال: العفو لجميع الورثة الا الزوج والزوجة فلم نجد لهم شبهة إلا أن يقولوا ليسا من العصبة ولا يعقلان مع العاقلة، ونظرنا في قول من قال: العفو للرجال خاصة دون النساء فلم نجد لهم شبهة أصلا الا ان يقولوا انهن لا يرثن الولاء ولا الولاية في الانكاح فكذلك لا عفو لهن، وأما من قال بالفرق بين الزوجين وبين سائر الورثة من أجل ان الزوجين ليسا من العصبة فقول في غاية الفساد، ومن أين خرج لهم ان هذا الامر للعصبة وهذا حكم ما جاء به من عند الله تعالى أمر ولا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بالطل، واما انهما لا يعقلان مع العاقلة فنعم فكان ما ذا وما الذي أدخل حكم العاقلة في حكم العفو من الدم؟ والعاقلة إنما هي في القتل في الخطا خاصة والعفو إنما هو في العمد خاصة فما الذي جمع بين حكم العمد والخطأ؟ ثم نظرنا في قول من رأى العفو للرجال دون النساء فوجدناه أيضا فاسدا لأنه قياس، والقياس