كله باطل ثم نظرنا في قول مالك فوجدناه في غاية التناقض بلا دليل أصلا لأنه مرة غلب من دعى إلى القتل وذلك في الابنة مع العصبة فرأى أن دعا العصبة إلى القتل وعفت الابنة ان القول قول العصبة، واحتج بأنها قد يدخلها زوجها إلى العفو وأمرها إلى الضعف وان عفا العصبة ودعت الابنة إلى القتل فالقول قول الابنة، واحتج بأنها المصابة بأبيها فمرة راعى ضعفها وادخال زوجها لها إلى العفو ولم يراع مصيبتها ومرة غلب من دعى إلى العفو، وذلك في البنين يعفو أحدهم دون الآخرين (1) ومرة غلب الرجال على النساء وذلك في البنات مع الابن، وهذه أقوال ظاهرة التناقض يهدم بعضها بعضا لا حجة لشئ منها لافى قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا قياس ولا في اجماع ولا في قول صاحب، فكان هذا القول أسقط من سائر الأقوال، ثم نظرنا في حجة من أجاز عند كل وارث وغلبه فوجدناهم يقولون قال الله تعالى: (وان تعفوا أقرب للتقوى) وقال تعالى: (ولكم في القصاص حياة) فاعلي ما يريده أهل هذا القول أن يكون العفو أعظم أجرا والقصاص بلا شك مباح وإذا كان كلاهما مباحا فلا يجوز بلا خلاف أن يجبر على الأفضل من لا يريده غير راغب فبطل أن يكون في هذه الآية دليل على سقوط حق من أراد القصاص إذا عفا أحد الورثة وهكذا القول في حديث أنس ان صح انه لم ير رسول الله صلى الله عليه وسلم قط رفع إليه شئ فيه قصاص الا أمر فيه بالعفو لأنه لم يختلف اثنان من الأمة في أنه ان صح فإنه امر ندب لا امر الزام فإذ ذلك كذلك فلا خلاف في أنه لا يجوز أن يجبر على الأفضل من لا يريده غير راغب عنه إذا أراد ما أبيح له فبطل أن يكون لهم في هذا الخبر تعلق * قال أبو محمد: فلما سقطت هذه الأقوال كلها وتعرت من الأدلة وجب علينا إذ تنازعوا أن نرجع إلى ما افترض الله تعالى علينا الرجوع إليه عند التنازع إذ يقول تعالى (فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية ففعلنا فوجدنا الله تعالى قد قال: (ولكم في القصاص حياة) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين بين أن يأخذوا العقل وبين أن يقتلوا) فجعل الله تعالى القصاص حقا وجعل رسول الله عليه الصلاة والسلام أهل القتيل بين خيرتين إما أخذ العقل وأما القتل فساوى بين الامرين أيهما شاؤوا، وكما روينا من طريق مسلم نا إسحاق بن منصور أنا بشر بن عمر - هو الزهراني - (2) سمعت مالك بن أنس يقول: حدثني أبو ليلى
(٤٨٠)