برهان ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي قد ذكرناه في باب دية المكاتب فأغنى عن اعادته بمقدار ما أدى دية حر وبمقدار ما لم يؤد دية عبد فسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعطى من قتل عبده دية وهو مختلف المقدار غير مؤقت فإذ ذلك كذلك فنحن على يقين من أن الذي جرحته الربيع قد أخذ ما لا بد لاقتصاصه من الجرح ولم يأت قط ان الذي أخذ كان عددا مؤقتا محدودا في ذلك الجرح فإذ لم يأت ذلك فنحن على يقين وثلج (1) من الله تعالى انه لو كان في تلك الجراحة دية مؤقتة لا تزيد ولا تنقص وكان ذلك الحكم في جراحة ما دون جراحة أخرى لما طمس الله تعالى عنا ذلك ولا عفى (2) أثره حتى لا ينقله أحد حاش لله من هذا، وقد تكفل بأنه حافظ لذكر الذي أنزل على نبيه عليه الصلاة والسلام وهو الوحي الذي لا ينطق صلى الله عليه وسلم في الشريعة إلا منه، فصح أن تلك الدية التي أخذ الذي جرحت الربيع كان فداء عن القصاص فقط وبهذا نقول فوضح انه ليس في هذين الخبرين إلا أن القود جائز في كل جراحة وفى كسر السن وان المفاداة في كل ذلك جائزة بما تراضيا به على المجني عليه أو وليه والجاني لان القول في الدية المذكورة هو ما ذكرنا * وأما حديث حميد في كسر السن فإنما فيه انهم رضوا بأرش أخذوه فقط وبالله تعالى التوفيق * نا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا سليمان بن الأشعث نا محمد ابن داود بن سفيان نا عبد الرزاق نا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة أم المؤمنين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا جهم بن حذيفة مصدقا فلاحه رجل في صدقته فضربه أبو جهم فشجه فاتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: القود يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكم كذا وكذا فلم يرضوا فقالوا القود يا رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكم كذا وكذا فلم يرضوا فقال لكم كذا وكدا فرضوا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انى خاطب العشية على الناس فمخبرهم برضاكم قالوا: نعم فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ان هؤلاء الليثيين اتوني يريدون القود ففرضت عليهم كذا وكذا فرضوا أرضيتم؟ قالوا: لافهم المهاجرون بهم فامرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكفوا عنهم فكفوا عنهم فدعاهم فزادهم فقال أرضيتم؟
قالوا: نعم قال إني خاطب على المنبر فمخبرهم برضاكم قالوا: نعم فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال أرضيتم فقالوا نعم " * قال أبو محمد: فليس في هذا الحديث إلا ما جاء في حديث أنس الذي رواه ثابت وهو المفاداة في الشجة التي وجب فيها القود ولا مزيد، وفى هذا الخبر عذر الجاهل وانه لا يخرج من الاسلام بما لو فعله العالم الذي قامت عليه الحجة لكان كافر الان هؤلاء الليثيين