فأوجب الدية (1) في موضعين وأسقط تعالى في الموضع الثالث، فان قالوا: ان الاجماع قد صح على اسقاط الكفارة في ذلك قلنا لهم: إذا صح هذا فان الاجماع قد أبطل هذا القياس فلا يجوز استعماله أصلا في الدية ولا في الكفارة إذ هو كله قياس واحد وباب واحد، وأيضا فان جمهوركم لا يوجبون الكفارة في قتل العمد ولم يأت اجماع باسقاطها فقد تركتم القياس في هذا المكان دون أن يمنع منه اجماع * والوجه الرابع ان الله تعالى لم يوجب دية في كل قتل خطأ بل قد جاء قتل المؤمن خطا وهو من قوم عدو لنا ولا دية فيه فمن أين وقع لكم الحكم بالقياس على القتل الذي أوجب الله تعالى فيه دية دون أن تحكموا بالقياس على القتل الذي لم يوجب الله تعالى فيه دية؟ وما الفرق بينكم وبين من قال: بل لا تجب دية في شئ مما دون النفس نصاب خطا قياسا على قتل المؤمن خطا وهو من قوم عدو لنا فإذا كانت علتكم غير مطردة فالقياس على أصولكم لا يجوز عليها فبطل أن يكون فيما دون النفس دية لا بقياس ولا بقول صاحب ولا بنص صحيح لأنه غير موجود ولا ضمان الأموال في الخطا بنص ملتزم وان لم يصح فان قال قائل: قال الله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها) قالوا: والجراح وان كانت خطا فهي سيئة فجزاؤها مثلها والسيئة المماثلة قد تكون بغرامة المال، فإذا لم يكن هناك قود كانت المماثلة بالغرامة قلنا: وبالله تعالى التوفيق * وأما قول الله تعالى (وجزاء سيئة سيئة مثلها) فحق، وأما قولكم ان جناية الخطا سيئة فباطل ما السيئة إلا ما نهى الله تعالى عنه وليس الخطا مما نهى الله تعالى عنه لان الله تعالى يقول:
(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) وبالضرورة ندري انه ليس في وسع أحد أن يمتنع من فعل الخطأ الذي لم يتعمده ولا قصده، فان قيل: قد اجتمعت الأمة على ضمان ما اتلف من الأموال بالخطأ وبالعدم فما الفرق بين ضمان الجنايات في الأموال وبين ضمان الجنايات في الأعضاء والجراحات؟ قلنا: وبالله تعالى التوفيق: ان هذا قياس والقياس كله باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لان الاجماع قد صح على ابطال هذا القياس لان لا خلاف بين أحد من الأمة كلها في تضمين كل ما أصيب من الأموال قل أو كثر وليس كذلك الجنايات على الأعضاء والجراحات إذ لا خلاف في أن كثيرا منها ليس فيه تضمين بدية مؤقتة [محدودة] (2) وكل قياس لم يطرد في نظرائه وكل علة لم تجر في معلولاتها فهما خطا عند أصحاب القياس وان المماثلة بين الأموال مدركة مضمونة معروفة اما بالقيمة واما بالكيل واما بالوزن