كل من أحفظ عنه من أهل العلم على أن المودع إذا أحرز الوديعة ثم ذكر انها ضاعت أن القول قوله وقال أكثرهم مع يمينه وان ادعى ردها على صاحبها فالقول قوله مع يمينه أيضا وبه قال الثوري والشافعي وإسحاق وأصحاب الرأي وقال مالك إن كان دفعها إليه بغير بينة وإن كان أودعه إياها ببينة لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة.
ولنا أنه أمين لا منفعة له في قبضها فقبل قوله في الرد بغير بينة كما لو أودع بغير بينة وان قال دفعتها إلى فلان بأمرك فأنكر مالكها الاذن في دفعها فالقول قول المودع نص عليه أحمد في رواية ابن منصور وهو قول بن أبي ليلى وقال مالك والثوري والعنبري والشافعي وأصحاب الرأي القول قول المالك لأن الأصل عدم الإذن وله تضمينه ولنا أنه ادعى دفعا يبرأ به من الوديعة فكان القول قوله كما لو ادعى ردها على مالكها ولو اعترف المالك بالاذن ولكن قال لم يدفعها فالقول قول المستودع أيضا ثم ننظر في المدفوع إليه فإن أقر أنه قبضه وكان الدفع في دين فقد برئ الكل وان أنكر فالقول قوله مع يمينه وقد ذكر أصحابنا أن الدافع يضمن لكونه قضى الدين بغير بينة ولا يجب اليمين على صاحب الوديعة لأن المودع مفرط لكونه أذن في قضاء يبرئه من الحق ولم يبرأ بدفعه فكان ضامنا سوا صدقه أو كذبه، وإن أمره بدفعه وديعة لم يحتج إلى بينة لأن المودع يقبل قوله في التلف والرد فلا فائدة في الاشهاد عليه فعلى هذا يحلف المودع ويبرأ ويحلف الآخر ويبرأ أيضا ويكون ذهابها من مالكها (فصل) وإذا أودع بهيمة فأمره صاحبها بعلفها وسقيها لزمه ذلك لوجهين (أحدهما) لحرمة صاحبها لأنه أخذها منه على ذلك (والثاني) لحرمة البهيمة فإن الحيوان يجب احياؤه بالعلف والسقي ويحتمل أن لا يلزمه علفها إلا أن يقبل ذلك لأن هذا تبرع منه فلا يلزمه بمجرد أمر صاحبها كغير الوديعة، وإن أطلق ولم يأمره بعلفها لزمه ذلك أيضا وبهذا قال الشافعي ويحتمل أن لا يلزمه ذلك، وبه قال أبو حنيفة لأنه استحفظه إياها ولم يأمره بعلفها والعلف على مالكها فإذا لم يعلفها كان هو المفرط في ماله ولنا أنه لا يجوز اتلافها ولا التفريط فيها فإذا أمره بحفظها تضمن ذلك علفها وسقيها ثم ننظر فإن