وأخرى: يطلق ويراد منه ما يفهم من القضية اللفظية بدلالة غير مطابقية، كما عرفت في المثال المزبور، ويكون لكل قضية مفهوم، بل مفاهيم كثيرة.
مثلا: إذا قال زيد " جاءني عمرو " فما هو المنطوق معلوم، وأما القضايا التي تدل عليها هذه الجملة فكثيرة، منها دلالتها على حياة المتكلم، وأنه شاعر عالم متصور، وغير ذلك مما لا يعد ولا يحصى، فهذا النحو من المفاهيم أيضا خارج، مع أن دلالة القضية عليها قطعية وضرورية، فيكون من البين بالمعنى الأخص، ومن اللازم الواضح، ومع ذلك ليس من المفهوم المقصود بالبحث هنا.
ومن ذلك يظهر ضعف ما أفاده سيدنا الأستاذ البروجردي (قدس سره): " من صحة نسبة جميع اللوازم العقلية والعرفية إلى المتكلم، ويقال: إنه تنطق بها، وليس له إنكارها " (1) انتهى.
وثالثة: يطلق ويراد منه ما هو مقصود الباحثين الأصوليين في هذا الفن، فعندئذ لا بد من مراعاة قيود في الكلام وفي تعريفه، حتى لا يشمل إلا الأخير، ويشمل المفهومين: الموافق، والمخالف.
وقبل الإشارة إلى ما هو تعريفه، لا بد من الإيماء إلى ما ظنه الأستاذ المزبور في باب المفاهيم، حتى يعلم أن التعريف الآتي يكون خاليا من الخلل:
وهو أن السيد (رحمه الله) قال: " إن جميع ما يستفاد من الدلالات الثلاث، لا يكون إلا منطوقا، فإن المنطوق ما دل عليه اللفظ بالدلالة الوضعية، ومنها التضمنية والالتزامية، ويكون المنطوق ما يحتج به المتكلم، ويؤاخذ بأنه قاله وتكلم به، ولا يتمكن من إنكاره إلا مكابرة، وجميع المفاهيم المستفادة من الدلالات الثلاث تكون نسبتها إلى اللافظ والمتكلم صحيحة، فلا تكون مفهوما حذاء المنطوق.
وما هو المفهوم هي المعاني الأخرى التي يتمكن المتكلم من إنكارها،