ابن الحجاج في الصحيح (1) قال: " قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):
إني أريد الجوار فكيف أصنع؟ فقال: إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج إلى الجعرانة فاحرم منها بالحج... ثم ساق الخبر " وقد تقدم الجميع قريبا في التنبيه الرابع من البحث السابع (2) ثم نقل رواية إبراهيم بن ميمون، وقد تقدمت في البحث الرابع (3).
وأنت خبير بأن مورد هذه الروايات إنما هو المجاور بمكة، أعم من أن يكون انتقل حكمه إليهم بمضي المدة المعلومة أو لم ينتقل وأراد الحج مستحبا، فإنه يخرج إلى المواضع المذكورة، وهذا لا يستلزم أن يكون أهل مكة كذلك وانتقال حكمه إلى أهل مكة بعد مضي المدة المعلومة إنما هو باعتبار وجوب حج الافراد والقران دون التمتع، وهو لا يستلزم اشتراكهما في ميقات الاحرام، فيجوز أن يكون هذا حكما مختصا بالمجاورين دون أهل البلد.
ويمكن أن يكون بناء كلام الأصحاب في الاستدلال بالأخبار المتقدمة على أن ظواهرها تعطي إلحاق من كان منزله دون الميقات إلى مكة بأهل مكة، فهو يدل على كون أهل مكة كذلك، فإن التخصيص بجهة مكة إنما هو من حيث كونه من توابعها وإلا فدخوله في الأقربية لا يخلو من الاشكال، لاقتضائها المغايرة بينهما، وبالجملة فإن ما ذكره من الاستدلال بالأخبار المذكورة على أن أهل مكة يخرجون إلى المواضع المشار إليها لا تدل عليه الأخبار التي ذكرها بوجه.
وكيف كان فالتحقيق أنه لا مستند لهم في هذا الحكم سوى الاجماع على الحكم المذكور، لاتفاق كلمتهم عليه قديما وحديثا من غير نقل خلاف، كما لا يخفى على من راجع كتبهم ومؤلفاتهم.