ليس إلا الحج فلا يكون قطع المسافة معتبرا. وبأن الميت لو اتفق حضوره بعض المواقيت لا بقصد الحج أجزأه الحج من الميقات، فكذا لو قضى عنه.
وزاد العلامة في المختلف: إن المسافر لو اتفق قربه من الميقات فحصلت له الشرائط وجب عليه أن يحج من ذلك الموضع، وكذا لو استطاع من غير بلده لم يجب عليه قصد بلده وانشاء الحج منه بلا خلاف، فعلم أن قطع المسافة ليس واجبا هنا، فلا يجب الاستئجار منه.
أقول: وهذه الوجوه بحسب ما يتراءى منها في بادئ الرأي مؤيدة لما ادعوه، إلا أن في صلاحها لتأسيس الأحكام الشرعية وبنائها عليها اشكالا، كما سيظهر لك إن شاء الله (تعالى) فإنه من الجائز أن يكون حكم القضاء عن الميت غير مترتب على هذه الوجوه التي ذكروها، فلا بد فيه من دليل صريح يدل على ما ادعوه.
احتج ابن إدريس - على ما نقلوا عنه - بتواتر الأخبار بذلك. وبأن المحجوج عنه كان يجب عليه الحج من بلده ونفقة طريقه، فمع الموت لا تسقط النفقة.
ورده المحقق في المعتبر بالمنع من تواتر الأخبار بذلك، قال: ودعوى المتأخر تواتر الأخبار غلط، فإنا لم نقف في ذلك على خبر شاذ فكيف يدعى التواتر؟
وبانا لا نسلم وجوب الحج من البلد، بل لو أفاق المجنون عند بعض المواقيت أو استغنى الفقير وجب أن يحج من موضعه. على أنه لم يذهب محصل إلى أن الانسان يجب عليه أن ينشئ حجة من بلده. فدعواه هذه غلط وما رتبه عليها أشد غلطا. انتهى.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن المسألة خالية من النصوص كما سمعت من كلام المحقق، والنصوص الواردة باعتبار الميقات أو البلد أو ما بينهما إنما وردت في الوصية بالحج، مع أنها بحسب ظاهرها لا تخلو من تدافع وتعارض. والأصحاب