وروى الحاكم وقال صحيح الإسناد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" " يا معاشر الأنصار، فقالوا: لبيك يا رسول الله، فقال: كنتم في الجاهلية إذ لا تعبدون الله تحملون الكل وتفعلون في أموالكم المعروف، وتفعلون إلى ابن السبيل حتى إذا من الله عليكم بالإسلام وبنبيه إذ أنتم تحصنون أموالكم، فيما يأكل ابن آدم أجر، وفيما يأكل السبع والطير أجر " "، قال جابر فرجع القوم فما منهم أحد إلا هدم من حديقته ثلاثين بابا.
قال الحاكم وفيه النهى الواضح عن تحصين الحيطان والنخيل والكرم وغيرها عن المحتاجين والجائعين أن يأكلوا منها. والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نرغب إخواننا في الجود والسخاء، ونكون أول فاعل لذلك لا سيما في شهر رمضان، وهذا العهد قد قل العمل به في غالب الناس حتى العلماء ومشايخ الزوايا، فاكتفوا بالتوسعة على أنفسهم في المطاعم والملابس والنكاح للمخدرات والسراري الحسان، حتى إني رأيت بعض من يدعى الصلاح والفقر لا يركب الحمار بل الخيول المسومة، ورأيته مرة احتاج للركوب في حاجة وغابت الفرس وعنده حمارة فلم يركبها، وقال: أستحيي أن أمر في مصر على حمارة مع أنه متعمم بصوف وله عذبة وشعرة، وهذا أمر ينافي طريق الفقراء من كل وجه.
وقد سمعته مرة يقول: نحن بحمد الله الدنيا في يدنا لا في قلبنا، فأرسلت له ضريرا معيلا يطلب منه شيئا من ملبوسه أو ثمن جبة أو صاعا من قمح فلم يعطه، مع أن بيته أوسع من بيت أمير، فقال له الضرير: فأين قولك بحضرة فلان الدنيا في يدنا لا في قلبنا، وهل ثم أحوج مني فإني أعمى معيل، وتعرف أن أحدا ما بقي يعطى السائل شيئا فضلا عن كونه يرسل له شيئا بلا سؤال، فرجع من عنده مكسور الخاطر، وكان الأولى بذلك الشيخ أن يعطيه نفقة يومه أو قميصا من ثيابه التي تزيد على ثلاثين زيقا، كما أخبرني بذلك خادمه.
ودخلت مرة أنا وأخي الشيخ زين العابدين ابن الشيخ عبيد البلقسي نفعنا الله ببركاته على شيخ من مشايخ العصر فصار يرغبنا في الفقر وضيق اليد ويقول لنا: الفقراء ما تميزوا