القسم الأول من الكتاب وهو قسم المأمورات.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نرجو من فضل ربنا الوفاء وأن نخلص النية لله تعالى في علمنا وعملنا وسائر أحوالنا، ونخلص سائر الشوائب، حتى من شهود الإخلاص ومن حضور استحقاقنا ثوابا على ذلك، وإن خطر لنا طلب ثواب شهدناه من باب المنة والفضل، وإن خطر لنا طلب ثواب شهدناه من باب المنة والفضل، ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك طريق القوم على يد شيخ صادق متبحر في علوم الشريعة بحيث يقرر مذاهب الأئمة الأربعة وغيرها، ويعرف أدلتها ومنازع أقوالها ويقف على أم الكتاب التي يتفرع منها كل قول فيشتغل من يريد الإخلاص في أعماله بذكر الله عز وجل، حتى ترق حجب بشريته ويدخل حضرة الإنسان التي يعبد الله تعالى فيها كأنه يراه، وهناك يشهد العمل كله خلقا لله عز وجل ليس للعبد فيه مدخل إلا كونه محلا لبروز ذلك العمل لا غير، لأن الأعمال أعراض، والأعراض لا تظهر إلا في الجسم، وهناك يذهب من العبد الرياء والكبر والعجب وسائر الآفات لأن هذه الآفات إنما تجئ للعبد من شهود كونه فاعلا لذلك العمل مع غفلته عن شهود الخلق له، ومعلوم أنه لا يصح الرياء والتكبر والعجب من العبد بعمل غيره أبدا، وما رأينا أحدا نام إلى الصباح وأصبح يرائي أو يعجب أو يتكبر بفعل جاره القائم طول الليل أبدا فعلم أن من لم يصل إلى دخول حضرة الإحسان ويشهد أعماله كلها خلقا لله تعالى كشفا ويقينا لا ظنا ولا تخمينا فهو معرض للوقوع في الرياء ولو حفظ ألفي كتاب. فاطلب يا أخي شيخا صادقا إن طلبت الترقي إلى مقام الإخلاص، ولا تسأم من طول طلبك له، فإنه أعز من الكبريت الأحمر، فإنه من أقل شروطه التورع عن أموال الولاة، وأن لا يكون له معلوم في بيت المال ولا مسموح ولا هدية من كشف ولا شيخ عرب ولا شيخ بلد بل يرزقه الله تعالى من حيث لا يحتسب، ويستخلص له الحلال الصرف من بين فرث الحرام، ودم الشبهات، وإلا فقد أجمع أشياخ الطريق كلهم على أن من أكل الحرام والشبهات لا يصح له إخلاص في عمل، لأنه لا يخلص إلا إن دخل في حضرة الإحسان، ولا يدخل حضرة الإحسان إلا المطهر من سائر النجاسات الباطنة