وروى ابن حبان في صحيحه والترمذي: " " إذا مشت أمتي المطيطاء وخدمتهم فارس والروم سلط الله بعضهم على بعض " ".
والمطيطاء: هو التبختر ومد اليدين في المشي.
وروى الترمذي مرفوعا: " " لا يزال الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم " ".
وقولهم يذهب بنفسه: أي يرتفع ويتكبر.
وروى البزار بإسناد جيد مرفوعا: " " لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر منه العجب " ". والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن لا نعظم أحدا إلا تبعا لتعظيم الشارع صلى الله عليه وسلم، كما لا نقر أحدا على تعظيمه لنا ولو كنا على القدم الذي نعلم من الناس أنهم يعظموننا لأجله خوفا من مزاحمة أوصاف الربوبية، ثم مرادنا بتعظيم الشارع لأحدنا حتى نعظمه أن توجد فيه الصفات الحميدة التي مدحها صلى الله عليه وسلم، فكل من وجدت فيه صفة منها عظمناه وقمنا بواجب حقه، وكل من لم توجد فيه أعرضنا عن تعظيمه، ولو كان من أركان الدولة إلا أن يترتب على ذلك مصلحة لنا أو للمسلمين فاعلم أنه لا ينبغي لنا تعظيم فاسق ولا مبتدع بنحو قولنا له يا سيدي أو نحوها من كلمات التعظيم والتفخيم إلا أن سبق لساننا بحكم عادتنا مع الناس السالمين من الفسق، بل ربما سبق لسان بعض العلماء بقوله لليهود حشاك يا سيدي أو مليح يا سيدي، ومثل ذلك لا يؤاخذ به العبد إن شاء الله تعالى قاله بعضهم، وكلامنا في الفسق الاصطلاحي كشارب الخمر والمبتدع ونحوهما مما توعد الشارع صلى الله عليه وسلم، وليس المراد به فعل مطلق الأمور التي ترد بها الشهادة كالأكل في السوق وإضحاك الناس والمشي بلا رداء أو مكشوف الرأس ونحو ذلك، ويجمع الفسق كله ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة أو مداومة ارتكاب المكروه والإخلال بالسنن المشروعة، ثم لا فرق عند محققي الصوفية بين المعاصي الظاهرة كما قدمنا وبين ارتكاب المعاصي الباطنة كالحسد والكبر والحقد ونحوها، فمن كان مرتكبا لشئ من هذه المعاصي فلا ينبغي لأحد أن يقول له يا سيدي ولا ينبغي له أيضا أن يقر الناس على ذلك وهو يعلم من نفسه الفسق بارتكاب ما لو أبداه للناس لفسقوه، والله غفور رحيم.