(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن لا نغصب من أحد شيئا ولو دواة أو قلما أو سواكا أو خلالا أو شيئا من سائر الحقوق خوف من وقوعنا في العقوبة.
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ يسلك به إلى حضرات الإيمان بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يصير ما توعده به كأنه رأى عين على حد سواء، ويحتاج ذلك إلى جوع شديد ورياضة تامة حتى لا يبقى عنده تجبر ولا استهانة بحق أحد من المخلوقين.
وكان جدي الأدنى الشيخ علي رحمه الله يوصي الشركاء إذا حرثوا القمح أن يجعلوا بينهم وبين قمح الجار خطا من الفول، وإذا زرعوا الفول أن يجعلوا بينهم وبين الجار خطا من القمح، يحول بينهم وبين الجار ثم يتركونه للجار، وكان إذا بنى دارا ترك للجار قدر موضع الجدار داخل ملكه، ويحصل الحظ الأوفر للجار. وأخذ ولده مرة عود خلال من شخص بغير طيبة نفسه فهجره شهرا، وهذا أمر يعز وقوعه من غالب أهل هذا الزمان، بل رأيت وقوع الغصب من الفقراء الذين يترددون إلى جهة الأمراء، فأخذوا حجارة الناس فبنوا بها زواياهم وبيوتهم فقلت لأصحاب الحجارة ألا تشكون من أخذ حجارتكم؟ فقالوا نخاف أن يرمى فينا سهما عند الظلمة فيحبسونا ويضربونا حتى نموت، فوالله إن الأمر أعظم مما نظن.
وقد حكى لي شخص من الفقراء أنه مر على مارس قمح في سنبله، فرأى سنبلة أعجبته فأخذها وفركها، فلما أراد أن يأكلها تذكر الحساب عنها يوم القيامة فرماها في المارس، فنام تلك الليلة فرأى القيامة قد قامت وجاء صاحب السنبلة فادعى عليه بسنبلته، فقال يا رب خفت من الحساب في هذا اليوم فرميتها في مارسه، فقال صدق يا رب ولكن لم يصل إلى تبن البرج لأنه طار في الريح، قال فأعجزني في تحصيله ثم استيقظت فزعا مرعوبا.
قلت: ولا أعلم لأحد من خلق الله بحمد الله على حق الآن إلا شخص من تجار الخانقاه أجلسني في دكانه وأنا دون البلوغ فأخذت من غلته نحو ثمانية نقرة أكلت بها حلاوة ولم أذكره إلى أن مات، وقد أخذت لأولاده بما قدرت عليه وقرأت القرآن كثيرا ودعوت له وما على قلبي أثقل منه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.