ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به الطريق حتى يدخله حضرة الولاية الكبرى، ويشهد هناك من هو المقدم عند الله ومن هو المؤخر، ويصير يقدم من قدمه الله ويؤخر من أخره الله على الكشف والشهود، كما يشاهد الإنسان ذلك في حضرة ملوك الدنيا، فإن لم تسلك يا أخي كما ذكرنا فلا يصح لك تقديم أحد على أحد إلا لعلة دنيوية، وليس ذلك التقديم هو الذي أمرك الله له. فعلم أن كل من أقام الميزان بغير حق على العلماء و الأكابر حرم النفع بهم وعصي الله ورسوله.
* (والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) *.
روى الطبراني مرفوعا: " " تواضعوا لمن تعلمون منه " ".
وفي رواية له أيضا مرفوعا: " " ثلاثة لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، وذي العلم، والإمام المقسط " ".
وروى الإمام أحمد مرفوعا: " " اللهم لا يدركني زمان أو لا تدركوا زمانا لا يتبع فيه العليم ولا يستحيا فيه من الحليم، قلوبهم قلوب الذئاب، وألسنتهم ألسنة العرب " ". والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نعطي جميع الحقوق التي علينا للخلق في هذه الدار ونتحللهم منها قبل يوم القيامة، وذلك لكون الدنيا أوسع من الآخرة لاجتماع الحقوق علينا هناك وكثرة الطالبين لنا، ولا هكذا الدنيا إنما يطالبنا فيها بعض أناس.
سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لا يكمل حال الفقير إلا إن أعطى جميع الحقوق التي عليه قبل المطالبة، ومتى أحوج صاحب الحق إلى وقوف عند حاكم فقد خرج من طريق الفقراء إلى طريق العوام والظلمة سواء أكان ذلك الحق لزوجة أو جار أو أجير أو فقراء يستحقون زكاته ونحو ذلك، وهذا العهد لا يصح العمل به إلا لمن سلك الطريق وخرج عن محبة الدنيا وشهد مواقف القيامة، وما يقع فيها من مناقشات الحساب حتى لا يفوت صاحب الحق مثقال ذرة من حقه، ومن لم يسلك الطريق فمن لازمه محبة الدنيا والوقوف مع أربابها للحكام كما هو الواقع لغالب فقراء هذا العصر فضلا عن غيرهم.