(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نفتش كل شئ دخل يدنا في هذا الزمان من مال وطعام ولباس وغير ذلك، ولا نستعمل شيئا تردد في صدورنا حله وحرمته، وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم يفتشون كل شئ دخل يدهم إلى سابع يد استولت عليه في الحل، وبعضهم إلى عاشر يد في الحل، ثم يستعملونه فإن لم يتداوله العشرة أيد لم يستعملوه، وهذا أمر تعذر فعله الآن على غالب فقراء الزمان، ويكفي أحدهم إن شاء الله تفتيش أول يد يأخذون منها.
واعلم يا أخي أن من أعظم المساعدة على الورع القناعة، فمن لم يقنع أكل رأس الفيل ولم يشبع، ومن لازم الشره عدم الورع، وإن كان المتورعون لم يتورعوا إلا فيما لم يقسم لهم على وزان ما تقدم في العهد قبله.
وقد جاء شخص إلى سيدي علي الخواص فقال: يا سيدي خاطرك علي، ما بقيت أقدر آكل كثيرا. فقال له الشيخ: أحمد الله تعالى على ذلك الذي حماك من أكل الشبهات في هذا الزمان، ولم يصف له دواء، مع أنه كان يعرفه.
قلت: ومن هنا كان الفقير الصادق لا يرى نفسه أبدا على من لم يتورع، فإن المنة لله تعالى لا تفعل العبد في ذلك، ولو أنه تعالى قسم له شيئا من الحرام لأكله فما هناك إلا حماية الله للعبد أو عدم حمايته كما مر في العهد قبله ثم لا يخفى أن أهل الله تعالى لا يعولون في الورع على العلامات الظاهرة في الأيدي وإنما يعولون على ما يلقيه الحق تعالى في قلوبهم، فقد يكون الذي يأخذونه من يد صالح حراما، وقد يكون الذي يأخذونه من يد ظالم حلالا فمثل هؤلاء يسلم لهم حالهم لاطلاعهم على بواطن الأمور، بخلاف من لم يطلع إلا على ظواهرها، فإن هذا ربما رأى ظالما أخذ حراما ثم توارى عنه بجدار، فقال يحتمل أن ذلك الحرام خرج عن يده، وهذا غيره ولكل مقام رجال قد عزم علي شخص أنا وأخي أفضل الدين، وقدم إلينا خروف شواء مشويا وكانت النية فيه غير صالحة لأنه عزم على جماعة أولاد عمر أمراء الصعيد فلم يحضروا عنده، فعزم علينا لنأكله مكانهم فلما وضعه بين أيدينا وجدته يغلي دودا مثل أذناب المغازل فلم أقدر أتناول منه لقمة واحدة، وصار صاحب الطعام يقول: كلوا هذه اللقمة فقط ولا أقدر أعلمه بما رأيت لكونه محجوبا عن ذلك، وكذلك رآه أخي المذكور ولكنه قال رأيته يغلي سعالى [سحالى؟؟]، فقلت له، أنا ما رأيت إلا دودا، فقال:
المقصود الحماية ونفرة الخاطر منه، وقد حصلت ولله الحمد، فإن لم تصل يا أخي إلى