وروى الإمام أحمد والبزار والطبراني: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي والرائش بينهما.
يعني الماشي بينهما: أي بين الراشي والمرتشي.
وروى الطبراني مرفوعا عن ابن مسعود بإسناد صحيح:
" " الرشوة في الحكم كفر وهي بين الناس سحت " ". والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن لا نتهاون بترك الإنكار على من رأيناه ظلم أخاه من الفقراء وغيرهم ولو بسوء الظن به، بل ننكر عليه وننصر المظلوم ويحتاج العامل بهذا العهد إلى سياسة تامة، وإلا نسبه الناس إلى غرض مع ذلك المظلوم فيصير خصما للظالم، ويخرج عن كونه ميزان عدالة بين الخصمين، فيحتاج الأمر إلى شخص آخر ثالث يصلح بين الظالم والمظلوم، ثم إذا رأى نفس الظالم ثائرة فليصبر عليه حتى تخمد نارها، وذلك ليصغي إلى وعظه له فإن العبد إذا غضب ركبته نفسه هي وزوجها أبو مرة، فيصيران راكبين عليه، فلا يتكلم فيه إلا شيطان.
وسمعت سيدي علي الخواص رحمه الله يقول: من علامة ركوب الشيطان لخصمك أن تراه يتكلم بالكلام القبيح الذي ليس من عادته النطق به فإذا رأيت ذلك منه فاصبر على جوابه حتى ينزل الشيطان من على ظهره فإن أجبته قبل ذلك ضحك عليك الشيطان حين تظن أن الذي يكلمك هو أخوك وسمعته أيضا يقول: يجب على من يصلح بين الناس إذا رأى نفس المظلوم ثارت ونفس الظالم خمدت أن يتربص ساعة حتى تخمد نار نفسه، فربما لا يرضيه من الظالم إلا أكثر من حقه، ومن سلك هذا المسلك مع الخصمين وطاوعاه استغنيا عن رواح بيت الوالي.
واعلم أن من أقبح الصفات في الفقراء خصامهم بين الناس، وتمزيقهم أعراض بعضهم بعضا، وإن ادعوا أنهم تحت تربية شيخ كذبوا وشيخهم برئ منهم إلا أن يتوبوا، وكذلك أقبح من كل قبيح خصام الظالم أو المظلوم لشيخه إذا لم يطاوعه على غرضه الفاسد، ومن فعل ذلك مع شيخه مقته الله وطرده عن حضرات الصالحين، وربما عوقب بتركه التوبة حتى يموت على أسوأ حال، وهذا المقت قد عم غالب الفقراء