(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن لا نغتر بحفظ العلم الذي يطلب منا العمل به من غير عمل كما عليه غالب الناس اليوم وما هكذا كان السلف الصالح رضي الله عنهم فقد بلغنا أنه كانوا يستغفرون الله من كل مسألة لم يعملوا بها، ويعدون ذلك ذنبا. ومن كان هذا مشهده ذهب عنه الاغترار بالعلم، ثم اعلم يا أخي أن من الناس من قسم الله تعالى له العمل بما علم ومنهم من قسم الله له العلم من غير عمل ومنهم من قسم الله له العمل بغير علم ومنهم من لم يقسم له علم ولا عمل فالواجب على كل من لم يعمل بعلمه كثرة الاستغفار والتوبة والإكثار من تعليم العلم للناس لعلهم يعملون به فيكون ذلك في صحائف من علمهم حيث فاته العمل بما علم ثم يستغفر من ذلك فربما لا يكون عمل الناس بعلم العالم يجبر خلل تركه هو العمل بما علم وكان الشيخ محيي الدين بن العربي رحمه الله يقول من حقق النظر لم يجد عاقلا إلا وهو عامل بعلمه لا يمكنه أن يترك العمل به أبدا ما دام عاقلا وذلك إنه إن عمل بعلمه على وفق الشريعة المطهرة بأن باشر العمل على وجه الإخلاص فيه فهو عامل بعلمه وإن وقع في معصية فاستغفر منها وتاب فقد عمل أيضا بعلمه فإنه لولا علمه ما اهتدى لكون ذلك معصية فما جعله يتوب منها إلا العلم كمثل هذا قد ينفعه علمه على كل حال ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ ليرقيه إلى درجات المراقبة لله تعالى والخوف من عذابه حتى يعرف كل مسألة ترك العمل بها ويستغفر فلا يلتبس عليه مسألة واحدة من كل باب لم يعمل بها كما كان عليه العلماء العاملون وسمعت شيخنا شيخ الإسلام زكريا رحمه الله تعالى يقول: كل فقيه لا يجتمع بالقوم فهو كالخبز الحاف بلا إدام وسمعت سيدي علي الخواص رحمه الله يقول: لا يكمل طالب العلم إلا بالاجتماع على أحد من أشياخ الطريق ليخرجه من رعونات النفوس ومن حضرات تلبيس النفس ومن لم يجتمع على أهل الطريق فمن لازمه التلبيس غالبا ودعوى العمل بما علم وكل من نسبه إلى قلة العمل وقام عليه الأدلة التي لا تمشي عند الله ومن شك في قولي هذا فليجرب، فاسلك يا أخي على يد شيخ والزم خدمته واصبر على جفائه لك وتغرباته عليك فإن الذي يريد أن يطلعك عليه أمر نفيس لا يقابل بالأعواض الدنيوية فإن للعلم رياسة عظيمة وللنفس في دسائس ربما خفيت على مشايخ العلم فضلا عن الطلبة
(٦٥٧)