(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن لا نتهاون بارتكاب شئ من صغائر الذنوب فضلا عن كبائرها، ولا بارتكاب شئ من مكروهاتها حتى خلاف الأولى منها، ولا نصر على ذنب بل نتوب منه على الفور، وذلك لأن ارتكاب المعاصي وما قاربها مع الإصرار يظلم به القلب حتى يصير لا يحن إلى فعل شئ فيه خير، وتتفاوت الناس في مقدار ظلمة القلب بحسب مقاماتهم، فربما أن بعض الناس لا يحس بظلمة القلب عند ارتكاب الكبائر دون الصغائر، وربما إن بعضهم لا يحس بظلمة القلب إلا عند ارتكاب الصغائر دون المكروهات، وربما إن بعضهم لا يحس بظلمة القلب إلا عند ارتكاب المكروهات دون خلاف الأولى، ولكل مقام رجال، فكلما صفا القلب كلما ظهر فيه الظلمة وأدركها بصر صاحبها كالحبر على الورق، وكلما تكدر القلب خفي فيه الظلمة ولم يدركها بصر صاحبها كالحبر على الفحم.
فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ ناصح يسد عليه جميع المخارس التي يدخل منها الشيطان ويشغله بالطاعات المتوالية حتى تتراكم عليه الأنوار، ويخلص من سائر الذنوب، ويدخل حضرة الإحسان، فهناك لا يتهاون بذنب ولو خلاف الأولى فضلا عن المكروهات فضلا عن الصغائر فضلا عن الكبائر، فإن أهل كل حضرة يساعدون بعضهم بعضا بمشاهدة بعضهم أحوال بعض، ومن هنا شرطوا في إتمام التوبة هجر إخوان السوء لئلا يزلزلوا توبته بمشاهدتهم لمعاصيهم، وأمروا التائب أن يخالط أهل الطاعات ليشاهد طاعاتهم وينقل نفسه من المعاصي، والطباع تسرق من الجليس الأفعال التي يشاهدها منه من خير وشر ولو على طول فينتقل جميع ما في ذلك الجليس لك يا أخي، فالعاقل من أتى البيوت من أبوابها.
* (والله عليم حكيم) *.
وقد روى الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه مرفوعا:
" " إن العبد المؤمن إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر صقلت فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فهو الران الذي ذكره الله تعالى بقوله: * (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) * " ".
والنكتة: هي نقطة تشبه الوسخ في المرآة