يا مسروق بصائم؟ قال لا إني أخاف أن يكون الأضحى، فقالت عائشة ليس ذلك إنما عرفة يوم يعرف الإمام، ويوم النحر يوم ينحر الإمام، أو ما سمعت يا مسروق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعدله بألف يوم؟ والألف يوم أكثر من سنتين.
وروى أبو داود والنسائي وابن خزيمة في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة.
وكان ابن عمر يقول: لم يصم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة بعرفة، ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان وأنا لا أصومه، وكان مالك والثوري يختاران الفطر، وكان ابن الزبير وعائشة يصومان يوم عرفة، وروى ذلك عن عثمان بن أبي العاص، وكان إسحاق يميل إلى الصوم، وكان عطاء يقول أصوم في الشتاء ولا أصوم في الصيف، وكان قتادة يقول:
لا بأس به إذا لم يضعف عن الدعاء.
وقال الإمام الشافعي: يستحب صوم يوم عرفة لغير الحاج، فأما الحاج فالأحب إلى أنه يفطر ليقويه على الدعاء. وقال الإمام أحمد بن حنبل إن قدر على أن يصوم صام وإن أفطر فذلك يوم محتاج فيه إلى القوم. والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نصوم عاشوراء ونوسع فيه على عيالنا بالطعام والكسوة وغير ذلك من كل ما هم محتاجون إليه، لكن بشرط أن يكون ذلك من وجه حل لا اعتراض للشريعة عليه فلا يؤمر من لم يجد المال الحلال أن يوسع على نفسه فضلا عن غيره، فيكون للآكل المهنأة وعليه هو الإثم، وقد أصبح عيال الفضيل بن عياض يوما وليس عندهم شئ يأكلونه فأرسل إليه الخليفة خمسمائة دينار فردها، فقال له العيال لو كنت أخذت منها نفقة يومنا، فقال: ما مثلي ومثلكم إلا كبقرة شردت من أهلها فصار كل من قدر عليها يطعنها أو يذبحها، ثم قطع قطيفة كانت تحت نصفين، وقال بيعوا هذه وأنفقوا ثمنها في هذا اليوم خير لكم من أن تطعنوا فضيلا أو تذبحوه، فعلم أن من جملة الكسب الذي لا يؤمر العبد بالتوسعة على العيال منه معلوم الوظائف التي لا يباشرها بنفسه ولا بنائبه، ومنه ما كان من هدايا التجار الذين يبيعون على الظلمة، ومنه هدايا من يأخذ البلص من أركان الدولة ومشايخ العرب، ومنه ما أرسله الناس إلى الشيخ اعتقادا في صلاحه فليس له قبوله ولا التوسعة به على عياله،