مالك ابن أنس كرهه، وكذلك قال مالك، الشافعي استحب تركه واحتج بحديث رواه مسلم وأبو داود والترمذي وهو حديث ابن عباس قال:
كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الخلاء ثم إنه رجع فأتى بالطعام، فقيل له ألا تتوضأ؟ فقال: لم أصل فأتوضأ.
وفي رواية لأبي والترمذي فقال:
إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة.
وبوب عليه الحافظ عبد العظيم باب الترغيب في غسل اليدين قبل الطعام إن صح الخبر.
وروى ابن ماجة والبيهقي مرفوعا: " " من أحب أن يكثر الله تعالى خير بيته فليتوضأ إذا حضر غذاؤه وإذا رفع " ".
قال الحافظ عبد العظيم: والمراد هنا بالوضوء غسل اليدين. والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نرغب من ولي من إخواننا ولاية في العدل في رعيته ومعاملتهم بالرفق والشفقة والإذن في الدخول عليه في كل وقت إلا في وقت ضرورة شرعية، لأن من لم يكن مع رعيته كذلك عزلته المرتبة ونفرت منه، وما ولى الله تعالى عبدا على عباده إلا أن يكون لهم كالأب الشفيق والأم الحنونة.
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى سلوك على يد شيخ ورياضة نفس حتى يصير يستلذ بمخالفة رعيته لأوامره العرفية ليحلم عليهم، لأن الخلق في حجر الولاة كالغنم والمعز في يد راعيهم، وربما انتشروا منه في أرض ذات شوك وهو حاف فهذا حكم الخلق، ولولا أنهم بهائم لما احتاجوا إلى من يرعاهم.
وفي الأثر الوارد أن موسى عليه السلام ما كلمه ربه إلا بعد صبره على رعاية الغنم وما من نبي إلا وقد رعى الغنم.
والسر في ذلك الإدمان بصبره على الغنم قبل صبره على قومه، وبلغنا أنه بالغ في الشفقة حتى أنه أورد الغنم مرة على الماء فكان فيهم نعجة عرجاء فلم تستطع أن تشرب من الجرف، فنزل الماء وجعلها على ظهره حتى شربت فرعية كل راع من سلطان أو أمير أو شيخ في الطريق هم ربحه وخسرانه، فيهم يربح وبهم يخسر.