وفي رواية له أيضا مرفوعا: " " من أصبح حزينا على الدنيا أصبح ساخطا على ربه عز وجل " ". والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن لا نمكن محبة الدنيا من قلوبنا بحيث نغفل بها عن عبادة ربنا المشروعة، ولا نكاثر بها أهلها ولا ننافس أحدا عليها سواء أكانت مالا أو وظيفة أو طعاما أو رياسة أو غير ذلك من سائر شهواتها سدا لباب نفوسنا إلى أهويتها.
ثم إذا فتح الله علينا فتوح العارفين إن شاء الله تعالى وقد فعل بنا ذلك ولله الحمد فمن الأدب أن نمسك الدنيا بأسرها ولا نترك منها شيئا إلا عند العجز عنه ونقلب الشهوة المذمومة إلى الشهوة المحمودة من غير حجاب عن الله عز وجل ولا غفلة عن عبادته قال تعالى مادحا للكمل:
* (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله) *.
فأخبر أنهم مع قيامهم في الأسباب التي يحجب بها غيرهم لا يغفلون عن ذكر الله تعالى، لأن الدنيا قد خرجت من قلوبهم وصارت في يدهم لا غير، وما ذم الله تعالى حب الدنيا إلا إذا كان حبها بحكم الطبع ويبخل العبد بها عن المحتاجين، وأما إذا وسع بها على المساكين وستر بها نفسه كفها بها عن سؤال الناس فنعمت الدنيا حينئذ وبئس رميها ولذلك ما ذم الله تعالى ذات الدنيا وإنما ذم الميل إليها فقط، إذ لو كانت مذمومة لذاتها لم نؤمر بمسكها في حال من الأحوال فافهم.
ولا يخفى أن مراد كل من ذم الدنيا من الشارع صلى الله عليه وسلم أو غيره من صالحي المؤمنين الدنيا الزائدة على الحاجة، أما ما يحتاج إليه فليس من الدنيا في شئ بل هو مطلوب إذ النكتة في ذم الدنيا إنما هو الاشتغال بها عن عبادة الله عز وجل لا غير، فمن عصمه الله أو حفظه عن الوقوع فيما يلهى عنه تعالى فلا حرج عليه ولذلك طلب أيوب وسليمان الدنيا، ومعلوم أنهما معصومان من طلب ما يشغلهما عن الله فافهم.
وسمعت سيدي عليا المكزواني بمكة المشرفة يقول: فسق العارف بعد كماله يكون في تبسطه في الدنيا في مأكل وملبس ومنكح ومركب.
وكان الفضيل بن عياض رضي الله عنه يقول: إذا أحب الله تعالى عبدا زوى عنه الدنيا وإذا أبغض عبدا وسع عليه دنياه وشغله بها عنه.