وروى الطبراني مرفوعا: " " من أكل فجلا فلا يقربن مسجدنا " ".
وروى مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شم رائحة بصل من رجل في المسجد فأمر به فأخرج إلى البقيع.
قلت: ويقاس بالروائح الكريهة المحسوسة الروائح الكريهة المعنوية، فمن عصى الله تعالى ولم يتب توبة نصوحة فليس له أن يدخل المسجد حتى تزول رائحة تلك المعصية الخبيثة، هذا في شأن من يعصي خارج المسجد فكيف حال من يعصي الله تعالى فيه متكررا دائما، والله إن أكثر الناس اليوم كالبهائم السارحة.
وقد رأيت بعيني شخصا مسك امرأة ليزني بها في جامع عمرو بمصر العتيق ونحن محرمون في الصلاة الجمعة فغارت القدرة عليه فضربوه حتى كاد أن يموت، فالله تعالى يلطف بنا أجمعين اللهم آمين (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن لا نتهاون بصلاة الجماعة ونصلي فرادى إلا لعذر شرعي امتثالا لأمر الله عز وجل بالأصالة لا طلبا للثواب الوارد في ذلك، فإن الثواب من لازم من يخدم الله عز وجل لأنه تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا، وما كان يحصل ضمنا من سائر حظوظ النفس فلا ينبغي لعبد أن يخدم سيده لأجله وهذا الأصل يسري معك في سائر العبادات فيقصد بفعلها امتثال أمر الله عز وجل بذلك لا غير.
فاعلم أن من قصر نظره في عبادته على الثواب فهو دنئ الهمة خارج عن أدب العبودية.
وكان سيدي علي الخواص رحمه الله يقول: لا ينبغي لجار المسجد أن يترك صلاة الجماعة في المسجد ويصلي في بيته ولو جماعة إلا لعذر من مرض أو حال غالب عليه منعه من الخروج للناس.
قال: ويحتاج صاحب هذا الحال إلى ميزان دقيق ينظر به ما هو الأرجح هل هو خروجه أم عدم خروجه فليفعله فقد يكون الإنسان في جمعية بقلبه مع الحق لا يستطيع مفارقة تلك الحضرة خوفا من تفرقة قلبه وإسدال الحجاب بينه وبين تلك الحضرة إذا خرج.
وكان سيدي أبو السعود الجارحي رضي الله عنه إذا كان في غلبة حال يصلي مع زوجته في البيت ولا يخرج للمسجد.