عليه وسلم لما قبل الحجر بعد الطواف، وضع يديه عليه ثم مسح بهما وجهه، والله تعالى اعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نستعد للعبادة في عشر ذي الحجة بإزالة الموانع التي تمنع العبد من شعوره بأوقات تقربات الحق تعالى لتؤدي الأعمال الصالحة فيها على ضرب من رائحة الكمال كما مر في ليالي القدر، فإن من غلظ حجابه لا يشعر بأوقات المواهب ولا يحس بها.
وقد جعل الله تعالى تمام الأعمال بحضور العبد فيها مع الله تعالى وجعل نفعها بحسب ما غاب العبد عن شهوده لربه فيها.
وسمعت سيدي عليا رحمه الله يقول: كل من مرت عليه ليالي التقريب ولم ينقطع صوته من شدة البكاء والنحيب فكأنه نائم، فوالله لقد فاز أهل الله تعالى بمجاهدتهم لنفوسهم حتى لم يبق لهم مانع يمنعهم من دخول حضرة الله تعالى في ليل أو نهار، ووالله لو سجدوا على الجمر ما أدوا شكر الحق تعالى على إذنه لهم في الدخول إلى حضرته لحظة واحدة في عمرهم، ووالله لو وقف المريدون على الجمر بين يدي أشياخهم من خلق الله الدنيا إلى انقضائها لم يقوموا بواجب حق معلمهم في إرشادهم إلى إزالة جميع تلك الموانع التي تمنعهم من دخول حضرة الله عز وجل. وإذا كان العبد يحب من أعطاه العزيمة والبخور حتى فتح المطلب ولا يكاد يبغضه مع كون ذلك مكروها لله عز وجل، فكيف بمن يعطيه الاستعداد الذي يدخل به حضرة الله عز وجل حتى يصير معدودا من أهلها بل من ملوك الحضرة والله إن أكثر الناس اليوم في غمرة ساهون، نسأل الله اللطف بنا وبهم.
وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لا يطلب من غالب أهل هذا الزمان كمال مقام الإيمان فإنه متعذر جدا، وإنما السعيد كل السعيد من خرج من الدنيا ومعه رائحة الإيمان، ومن ادعى منهم كمال الإيمان، كذبته أفعاله من الانهماك على الدنيا وندمه على فواتها أكثر من ندمه على فوات مجالسة الله عز وجل.
وسمعته يقول أيضا من علامة نقص الإيمان في العبد عدم تأثره على فوات شئ من مرضاة الله عز وجل وعدم حفظه لجوارحه مع علمه بأنه يحاسب على جميع أفعاله وقد قدمنا عن الحسن البصري أنه كان يقول: أدركنا أقواما كنا في جنبهم لصوصا ولو رأوكم لقالوا إن هؤلاء لا يؤمنون بيوم الحساب