وقد رأيت بعيني شخصا من فقراء العصر تولى نظرا على وقف له فيه معلوم النظر تصف وعثماني كل شهر، اشتكاه شخص من المستحقين وقال له أنت أكلت معلومنا، والمسؤول منك إما أن تعطينا حقنا، وإما أن نسامحك فيما مضى وتنزل عن النظر فأبى ورضي بوقوفه عند الحكام، فأخذه بعض المستحقين ومسكه من كمه ودخل هو وإياه بيت قاضي العسكر فبهدله غاية البهدلة على شأن نصف وعثماني كل شهر، مع أن تجارة هذا الشيخ كما حكى عنه أصحابه نحو عشرة آلاف نصف فإذا كان هذا حال المشايخ في هذا الزمان فكيف حال غيرهم، وما رأيت هذا الحال قط في أحد من الأشياخ الذين أدركناهم، فلم نر أحد منهم قط واقفا عند حاكم يدعي عليه نحو زوجة أو جار أو صاحب أو أجير بل كانوا يعطون الحق الذي عليهم قبل السؤال.
فاسلك يا أخي طريقهم إن أردت أن ينفع الله بك المسلمين في إرشادهم والشفاعة فيهم عند الحكام وغيرهم، فإن من شرط الشيخ أن يكون محفوظا الظاهر مهابا في العيون وتأمل الظالم أو المريد لو جاء لزيارة الشيخ فوجده مربوطا برسل الحكام يدعون عليه ويخرجونه كيف يهون في عين الظالم أو المريد فلا يقبل ذلك الظالم بعد ذلك له شفاعة ولا ينتفع به ذلك المريد، فشرط الشيخ أن يكون وارثا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كونه يحكم في غيره ولا يحكم أحد عليه، فاعلم ذلك والله يتولى هداك.
روى البخاري وابن ماجة وغيرهما مرفوعا قال: " " قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته:
رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجرا " ".
وروى ابن ماجة مرفوعا: " " أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه " ".
وهو وإن كان ضعيفا فكثرة طرقه تكسبه قوة. والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نعظ كل عبد غضب من سيده ونرغبه في أداء حق الله وحق مواليه، كما نعظ سيده ونأمره أن يرفق به عملا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغرغر ويقول:
الصلاة وما ملكت أيمانكم.