عن الناس إلا بالزهد في الدنيا اختيارا، فملنا إليه بالمحبة لحسن كلامه، فجاءنا ولده يستشفع بنا عنده أن يزيد نفقته، فقلنا له كم يعطيك كل يوم، فقال: عشرة أنصاف، فقلنا له وهذا يكفي أكبر الفقراء، فقال: دخل والدي كل يوم ثلاثمائة نصف ينفق منها نحو خمسة عشر نصفا ويخزن الباقي، فقلت له: قد يكون يا ولدى يتصدق به من غير علمك، فقال: لو كان يتصدق ما كان في صندوقه نحو أربعين ألف دينار، هذا لفظ ولده، فإذا كان هذا حال مشايخ العصر الذين يقتدى بهم فكيف بالعوام!
وقد سمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: من أراد أن يظهر بالمشيخة في هذا الزمان فليكن أول عامل بجميع ما يدعو إليه، وإلا فهو فتنة على العباد، فلا أتعب قلبا ولا بدنا ولا أضيق معيشة من الفقراء الصادقين أبدا.
وسمعته يقول: ليس السخي من ينفق ماله فيما نهاه الله عنه، وإنما السخي من ينفق ماله في مرضاة الله.
وسمعته يقول: إياك أن ترى مع فقير دنيا عريضة ولا تراه يؤدى زكاتها فتسئ الظن به فإن من الفقراء من يكون من أصحاب الخطوة فيخطو خطوة إلى بلاد الهند مثلا من مصر فيدفع زكاته إلى فقراء تلك البلاد، كما كان يقع للشيخ محمد الشربيني رحمه الله.
ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى السلوك على يد شيخ صادق لا مثل هذا الشيخ الذي ذكرناه، فإن من دعا إلى خير ولم يفعل كانت أفعاله مكذبة له وحاجبة للناس عن سماع مقاله، فإذا سلك على يد شيخ بصدق وإخلاص فإنه يقربه إلى حضرة الله عز وجل وهناك يقوى يقينه بالله وينفق كل ما دخل في يده بخلاف البعيد عن حضرته، فإنه بالضد من ذلك فلا يكاد يعطى أحد شيئا لضعف يقينه * (والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم) *.
روى الترمذي وغيره مرفوعا ومرسلا: " " السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار، والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار، ولجاهل سخي أحب إلى الله من عابد بخيل " ".
وروى الأصفهاني مرفوعا: " " ألا إن كل جواد في الجنة حتم على الله وأنا به كفيل، ألا وإن كل بخيل في النار حتم على الله وأنا به كفيل؟ قالوا