قال الحافظ: قد ذهب طوائف من العلماء إلى أن الحديث في فضل الصوم في الجهاد وبوب على ذلك الترمذي وغيره، وذهبت طائفة إلى أن كل صوم في سبيل الله إذا كان خالصا لله تعالى. والله أعلم. (أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن يكون معظم قصدنا من قيام رمضان وغيره امتثال أمر الله عز وجل والتلذذ بمناجاة الحق لا طلب أجر أخروي ونحو ذلك هروبا من دناءة الهمة، فإن من قام رمضان لأجل حصول الثواب فهو عبد الثواب لا عبد الله تعالى، كما أشار إليه حديث:
تعس عبد الدينار والدرهم والخميصة.
اللهم إلا أن يطلب العبد الثواب إظهار الفاقة ليميز ربه بالغنى المطلق ويتميز هو بالفقر المطلق، فهذا لا حرج عليه، لكن هذا لا يصح له إلا بعد رسوخه في معرفة الله عز وجل بحيث يصير يجل الله تعالى أن يعبده خوفا من ناره أو رجاء لثوابه.
فيحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به حتى يدخله حضرة التوحيد فيرى أن الله تعالى هو الفاعل لكل ما برز في الوجود وحده، والعبد مظهر لظهور الأعمال إذ الأعمال أعراض وهي لا تظهر إلا في جسم، فلولا جوارح العبد ما ظهر له فعل في الكون ولا كانت الحدود أقيمت على أحد، فافهم.
ومن لم يسلك على يد شيخ فهو عبد الثواب حتى يموت لا يتخلص منه أبدا، فهو كالأجير السوء الذي لا يعمل شئ حتى يقول لك قل لي إيش تعطيني قبل أن أتعب؟ فأين هو ممن تقول له افعل كذا وأنا أعطيك كذا وكذا؟ فيقول والله ما قصدي إلا أن أكون من جملة عبيدك، أو أن أكون تحت نظرك أو أن أكون في خدمك لا غير، أليس إذا اطلعت على صدقه أنك تقربه وتعطيه فوق ما كان يؤمل لشرف همته، بخلاف من شارطك فإنه يثقل عليك وتعرف أنت بذلك خسة أصله وقلة مروءته، ثم بعد ذلك تعطيه أجرته وتصرفه عن حضرتك، وربما انصرف هو قبل أن تصرفه أنت لعدم رابطة المحبة التي بينك وبينه، فما أقبل عليك إلا لأجرته، فلما وصلت إليه ونسيك ولا هكذا من يخدمك محبة فيك فاعلم ذلك.
وسمعت سيدي عليا الخواص إذا صلى نفلا يقول أصلي ركعتين من نعم الله علي في هذا الوقت، فكان رضي الله عنه يرى نفس الركعتين من عين النعمة لا شكر النعمة أخرى فقلت له في ذلك فقال ومن أين يكون لمثلي أن يقف بين يدي الله عز وجل والله إني لأكاد