إن كان خرج يسعى على ولدة صغار فهو في سبيل الله، وإن كان خرج على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان " " وروى الطبراني مرفوعا: " " من أمسى كالا من عمل يده أمسى مغفورا له " " وروى الأصبهاني وغيره مرفوعا: " " نعم لهو المرأة مغزلها " " والله تعالى أعلم.
(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نبكر في طلب الرزق مبادرة لقطع خاطر الاهتمام بأمر الرزق لا حبا للدنيا من حيث هي دنيا، فإن في الآدمي ما عدا الأكابر جزءا يهتم بأمر المعيشة ويضرب ولا يسكن حتى يحصل العبد كفايته ذلك اليوم. وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم يفتحون حوانيتهم فإذا ربحوا قدر نفقة ذلك اليوم أغلقوا الحانوت ورجعوا إلى بيوتهم، وكذلك بلغنا عن الشيخ المحقق الصالح جلال الدين المحلى شارح المنهاج أنه كان يفتح حانوته من بكرة النهار فيبيع الناس القماش ويقول: إنما أبكر للسوق اغتناما لدعائه صلى الله عليه وسلم بالبركة لمن يبكر في طلب رزقه ودعاؤه لا يرد فلا يزال يبيع حتى يتعالى النهار ثم يغلقه ويرجع إلى الجلوس لإقراء الناس في المدرسة المؤيدية أو غيرها.
وكان سيدي علي الخواص يفتح حانوته إلى أذان العصر فيغلقه ويقول دخل وقت التأهب لليل، وكان إذا فتح حانوته قال: بسم الله الرحمن الرحيم نويت نفع عبادك يا الله فلا يزال يقضي للناس حوائجهم من زيت وطحينة وأرز وفول وبيع قفاف وغير ذلك حتى ينصرف، وكان إذا عرف من إنسان أنه لا يعتقده يرجح له الوزن والكيل، وإن عرف أنه يعتقده أعطاه على تحرير الذهب، وكان إذا أخذ إنسان منه شيئا بدرهم وماطله يذهب إلى داره ويطالبه كذا كذا مرة في اليوم الواحد ويقول نعظم حقوق الناس عندهم حتى لا يتساهلون في قضائها في دار الدنيا، ونخلصهم بمطالبتنا لهم من منتنا عليهم يوم القيامة إذا سامحناهم بذلك في الدنيا ونريح أنفسنا أيضا من رؤيتها أن لها حقا على أحد من عباد الله تعالى.
وقد أودعنا غالب آدابه رضي الله عنه في طريق كسبه في كتاب [البحر المورود] فراجعه، فعلى ما قررناه يحمل ما ورد من الترغيب في عدم المبادرة إلى السوق على من لم يكن له نية صالحة، وإنما يبادر اهتماما بالدنيا لكونها أكبر همه.