(أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نستعد لفهم إشارات الحق تعالى بتلطيف الكثائف حتى نحس إذا استخرنا ربنا بما هو الأولى لنا من فعل ذلك الأمر أو تركه فإن من كان غليظ الحجاب لا يحس بشئ من ذلك، ولهذا نقول له استخر ربك فيقول قد استخرته فلم يترجح عندي أمر ولو أنه كان رقيق الحجاب لأدرك ما فيه الخيرة له من فعل أو ترك ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به حتى يمزق حجب عوائده، ولا يصير له عن الله عائق بل يفهم مراد الحق تعالى بأول وهلة، وهذا أمر عزيز الوجود ولذلك عول غالب الناس على استشارة بغضهم بعضا لا سيما إشارة الفقراء، ولكن يحتاج أيضا إلى تلطيف حجاب حتى يعرف طريق الخيرة لذلك العبد من طريق كشفه وإلا فإشارته معكوسة، وربما أشار على أحد بأمر فكان فيه هلاكه فيكون على المشير الإثم في ذلك مثل من يفتي في دين الله بغير علم.
وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله يقول: لا ينبغي لأحد أن يشير على أحد بشئ إلا إن كان مطمح نظره اللوح المحفوظ الذي لا تبديل فيه فإن لم يكن مطمح نظره ما ذكر فليقل له استخر ربك.
وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله يقول: الاستشارة بمنزلة تنبيه النائم، فترى الإنسان يكون جازما بفعل شئ فيشاور فيه بعض إخوانه فيقول له إن فعلت كذا حصل لك كذا، فينحل عزمه عنه في الحال، فلو قال له إنسان بعد ذلك افعل كذا لا يرجع إلى قوله.
وسمعته أيضا يقول: لا تستشر محب الدنيا في شئ من أمور الآخرة فإن تدبيره ناقص لحجابه بالدنيا عن الآخرة، ولا تستشر أيضا محب نعيم الآخرة من الزهاد والعباد في شئ من الأمور المتعلقة بالأدب مع الحق تعالى فإنه محجوب بذلك عن الحق وعن حضرته الخاصة واستشر كمل العارفين بالله في أمور الدنيا والآخرة فإنهم قطعوا المرتبتين ووصلوا لحضرة الحق وعرفوا آدابها ودرجات أهلها في الأدب، وفي المثل السائر: استعينوا على كل حرفة بصالح من أهلها فتأمل ذلك واعمل عليه.
وسمعت سيدي علي الخواص رحمه الله يقول: لا ينبغي لمن كان مشغوفا بحب الدنيا أن يفعل شيئا برأيه ولا باستخارته بل يسأل أهل الخير عن ذلك ويفعل ما يشيرون به عليه، ولو كان من أكابر ملوك الدنيا، فإن صحة الرأي إنما تكون لمن زهد في الدنيا